على الرغم من أن ألسِنَةُ اللبنانيين تلوك منذ سنوات وعقود، سيرة العديد من كبار المسؤولين والوزراء والنواب والقيادات، ويشار اليهم بالاصبع على انهم رأس فساد هذه الدولة، وسبب تدهورها وانهيارها، وهم جاؤوا الى الحكم بمظهر معيّن، واصبحوا اليوم بمظهر مختلف يطغى عليه الثراء و«النعمة» التي هبطت عليهم وهم يؤدّون «واجبهم الوطني» في خدمة اللبنانيين، ومع ذلك لا احد منهم يهتمّ ولا يخجل ولا يصغي لصراخ الناس الطيّبين الذين يرون وطنهم ودولتهم ومؤسساتهم، يلتهمها وحش الفساد، ويستمّرون في اتباع نهج الفساد الذي ارتضوه اسلوب حكم لهم، طالما أن وراءهم رجال دين واتباعاً على شاكلتهم، مستعدون لتفجير البلد لضمان بقائهم في مناصبهم.
عند كل مشروع او التزام او مناقصة او تعيين، تتصاعد فوراً روائح الصفقات والسمسمرات والخوّات، وتتردد اسماء المستفيدين من دم الشعب وعرقه، على كل شفة ولسان، فلا المعنيّون يهتمّون ولا القضاء ايضاً، وتستمر الامور من سيء الى اسوأ، كما هو الوضع في قضايا الماء والكهرباء وارتفاع الاسعار، والنفايات واستخراج الثروة النفطية، واستفحال الفوضى والرشوة والمحسوبية في مرافق الدولة، مثل المطار والمرفأ والاملاك البحرية والنهرية، وتدفق النازحين، والاكثر هولاً استفحال حالات الخطف المحمية، وذبح المواطنين الابرياء في الشوارع وفي وضح النهار، واطلاق المجرمين من السجون، حتى وصلت مواصيل الفوضى الى المدارس والجامعات، حيث يتسلّط الزعران على التلامذة والطلاّب والاساتذة، ويفرضون ما يريدون، لأن التعليمات فرضت عدم التعاطي معهم.
****
هذا غيض من فيض ما يمرّ به لبنان اليوم، والعمل السياسي القائم على المبدأ الاساس للسياسة، وهو خدمة الوطن والناس تحوّل بفضل هذه الطبقة الى عهد سياسي، قائم على قواعد اربع: استغلال الدين، استغلال المذهب، استغلال الناس، ونشر الفوضى.
في وسط هذه الاوضاع البائسة، لا تكتفي هذه الطبقة الحاكمة، بتعميم الفوضى والفراغ اللذين يتيحان لها، ممارسة نشاطها بعيداً من المحاسبة والمراقبة بل تنشط لتأمين وصول رئيس للجمهورية على صورتها ومثالها، وهو خارج من بيئتها وخطّها، فهل هذا هو الرئىس الذي ينتظره الشعب كبداية للتغيير، ووضع الدولة على سكّة النهوض والتعافي، واعطاء الناس بصيص نور، ان الفرج ولو كان صعباً ومتأخراً لكنه آت بقوة الارادة والايمان بلبنان وبثوابت الشفافية ونظافة الكف والعدالة واليد الحديدية، وان لبنان اولاً وفوق الجميع، وقبل اي دولة اخرى في العالم، وبخلاف هذه المواصفات الرئاسية، لا يريد الناس رئىساً، لا اليوم ولا غداً ولا بعد مئة سنة.
الرئىس المدجّن مرفوض، والرئيس الفاسد مرفوض، والرئىس التابع مرفوض، والرئىس المستسلم مرفوض، ورئيس النكاية مرفوض، ورئيس الصفقات الخارجية والداخلية مرفوض.
الشعب يريد رئيساً يتكلم لبنانياً، ويشعر لبنانياً، ويتصرف لبنانياً، وينفتح على العرب والعالم وفق مصالح لبنان وشعبه، لا تمييز عنده بين طائفة وطائفة، وبين مذهب ومذهب وبين لبناني ولبناني الاّ بمدى اخلاصهم وعملهم ومحبتهم وتضحياتهم من اجل وطنهم اولاً واخيراً… ونقطة ع السطر.