Site icon IMLebanon

أي أحجية؟!

 

صحيح ما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري من القاهرة عن مسؤولية العراقيين عن تخليص بلدهم من الإرهاب «الداعشي» لكن جملته ناقصة.. تماماً مثل سياسة إدارته في واشنطن حيال قصة الحرب على الإرهاب عموماً والوضع السوري خصوصاً.

وكأن الوزير الأميركي يقول الآن، إن استعادة دولة العراق من «داعش» والإرهاب تستوجب استعادتها قبلاً من انقساماتها التي تلت الغزو الأميركي لها. ناسياً (أو متناسياً) أن العراقيين، مثل السوريين، والى حد ما مثل اللبنانيين، مطحونون أو معرضون للطحن، تحت وطأة نفوذ إيراني ما كان له أن يتمدد بالطريقة الراهنة، لولا الأخطاء الأميركية ذاتها.. وإن ذلك النفوذ بُني على ترسيخ وتعميق الفجوات القائمة في الدول الثلاث وتعميق ازدواجية السلطة الشرعية لصالح السلطة الشارعية كما هو الحال في لبنان والعراق.. ثم الذهاب الى آخر المطاف (المتاح) في تكسير وتحطيم محاولة الخروج على تلك السلطة كما هو الحال في سوريا.

.. وإن ذلك في خطوطه العريضة يحيل الأزمات القائمة في الدول الثلاث، الى قضية عابرة للحدود، وأكبر بكثير من محلياتها.. ووفق النسق المألوف في مثل هذه الأوضاع، فإن اللاعب الإقليمي في أرض غيره يستدعي لاعباً إقليميّاً أو دوليّاً آخر. بل وهناك «مأثرة» لا تُجادَل في السياق ذاته، تفيد بأن مصطلح «الحروب الأهلية» فيه زعبرة وتمويه كبيران: الحروب الأهلية خاطفة وسريعة وتستمر ليوم واحد! أما اعتباراً من يومها الثاني والى الأبد، فهي تصير حروباً إقليمية ودولية تلغي وتطمس الإرادات المحلية في سيرورتها ومآلاتها، وتخرجها من دائرة القدرة على القرار والحسم!.

ووضع العراق مثالي في هذه الناحية. سوى أن الأميركيين يقررون الآن، أن قرار تخليصه هو في أيدي أهله وليس في أيديهم من جهة وأيدي إيران من جهة ثانية.. تماماً مثلما هي محاولة الخروج من الحرب الأهلية الباردة في لبنان، بحيث أن سلاح «حزب الله» هو في آخر المطاف مُعطى موصول بصاحب القرار الإيراني وليس غيره.. مثلما كان مربوطاً أيام الوصاية السورية والرئيس السابق الراحل حافظ الأسد بمصير مفاوضات السلام التي كانت جارية مع إسرائيل!.. وواشنطن (بالمناسبة) تعرف ذلك تماماً وتتفهمه! ولا تطالب اللبنانيين بالمستحيل في شأنه!

ثم أننا نمنا وصحونا على ضجيج أميركي يصمّ الآذان مفاده أن «داعش» خطر لا سابق له. ولا حصر جغرافياً له. ولا حدود له. وأن العمل على تحجيمه (أو القضاء عليه؟!) همٌّ كبير، بل هو أكبر من قدرة واشنطن ذاتها! وهي لذلك فتحت قصة الائتلاف وجمعت نحو خمسين دولة (مبدئياً) من أجل تلك المهمة الجليلة والكبيرة! وإذ بنا الآن نسمع أن المهمة منوطة بالعراقيين أنفسهم!

هناك أحجية اسمها «داعش» وهناك أحجية أكبر اسمها سياسة واشنطن حيال «داعش». ومحظوظ ابن حلال من يستطيع في هذه الأيام العجيبة أن يطرح سؤالاً ويحصل على جواب له علاقة بالعقل والمنطق!