Site icon IMLebanon

حين يُغتال المجتمع!

نادرة الجرائم التي هزت المجتمع اللبناني بمثل ما فعلت جريمة قتل جورج الريف على رغم الاجتياح المتفاقم للجرائم الفردية في لبنان. ولعل هذا الشهيد المجتمعي استشهد مرات عدة على يد مجرم متوحش في ذاك المشهد الذي قدم عبره الفعل الجرمي الى الرأي العام بأدق تفاصيله المذهلة، تماما كما يذبح التنظيم الداعشي ضحاياه ممعنا في إشاعة الرعب والذهول.

لن نقف ولو وهلة امام السخافات السياسية وسواها مما واكب الجريمة ونذهب رأسا الى الاهم في خلاصات جريمة نظنها من الاولويات الأكثر الحاحا. يعنينا في المقام الاول هذا الانفجار الشعبي العارم لغضب وأسى قل نظيرهما لدى اللبنانيين حيال ضحية تفلت على القانون وغطرسة عليه نسج حوله الكثير ولن نأخذ منه سوى السجل العدلي للمجرم المثبتة جريمته صوتاً وصورة وتسجيلاً وربما اعترافاً لدى المحققين على ما نفترض. هذه الجريمة توازي لدى دول العالم المتحضر الذي لسنا منه طبعاً، او على الأقل لم نعد منه، اعتداء موصوفاً بكل معايير الهجوم المنظم على المجتمع بأسره. وإذا كان القضاء يأخذ لدى إطلاقه الأحكام كل ما رافق وسبق الجريمة في الاعتبار، فإن الأدعى هنا ان تشكل الغضبة العارمة على هذه الجريمة احدى العوامل المؤثرة حكماً في الحكم على الجاني القاتل الذي حين جندل جورج الريف بسكينه كان يقطع مع عمر الضحية وحياته الأمان الفردي للبنانيين.

في اكثر دول العالم تحضراً وأكثرها تمتعاً بقوة القانون لا تزال الجريمة الفردية التحدي الاكثر شراسة. فكيف بلبنان الذي ينازع دوماً على مشارف الوقوف بين شبه دولة عشائرية ومشروع عبثي لإقامة دولة طبيعية. ولكن “الاغتيال” الوحشي لجورج الريف بالطريقة المنقولة رأساً الى العموم وضع هذه الناحية المجتمعية في رأس الخيارات الحاسمة التي تتوقف عليها بقايا امل، ولا نقول ثقة، بالأجهزة والدولة وخصوصاً القضاء. وإذا كان من دليل على التوهج الغاضب الذي أشعلته الجريمة فها هو لا يزال مثبتاً على مواقع التواصل الاجتماعي التي ما عرفت من قبل اشتعالاً حاداً مماثلاً حيال اي جريمة للمطالبة بلفظ حكم الإعدام على الجاني وإسقاط الحماية السياسية عنه. الأهم هنا ان يعاين الناس نقطة أمان حاسمة في صدقية الاجهزة ومن ثم القضاء في تحكيم منطق العدالة وحده الى الحدود القصوى التي يمليها القانون لأن أي تهاون بعد هذه الوحشية سيستتبع ابشع استعادة لتفشي أمرين: انهيار اي ثقة او امل بعدالة حقة لبنانية، واسلاس القيد لمنطق العدالة الشخصية والفردية اي تعميم العنف بأبشع واخطر مظاهره اطلاقا. وتكفي اللبنانيين عشائريات وقبليات متحكمة في طول الدولة وعرضها. فحذار فعلاً هذه المرة الاستهانة بغضبة الضحايا والناس.