يشبه الكلام على تحييد أزمات الناس عن الاحتقانات الحكومية والسياسية الآخذة في التصاعد تلك الأسطورة الفارغة التي ترددها ألسن الساسة منذ انفجار البركان السوري عن تحييد لبنان عن حممه. واذ يجد الرئيس تمام سلام نفسه وحكومته الآن أمام مسلك أخير ووحيد باجتراح تفاهم الحد الادنى الممكن لتحييد الازمات الاجتماعية والخدماتية والمالية الضاغطة والشديدة الخطورة على الاستقرار الاجتماعي عن المقلب الطالع للصراع السياسي يبدو هذا المسلك ايضا مهددا بالسقوط.
والحال ان شهرين واكثر من التحجير القسري على أعمال مجلس الوزراء وشله يكشفان الأهداف المضمرة لاسترهان أزمات الناس وجعلها الوسيلة الأخرى نحو زعزعة النظام عن آخر حلقاته العاملة واشعال توترات اجتماعية بات يتعين الالتفات اليها بقوة كهدف بذاته وليست مجرد أضرار جانبية للتصعيد السياسي. فليس من قبيل القصور وتقاسم كعكة الفساد فقط ان تتمادى أسوأ ازمة نفايات عرفها لبنان ويمنع مجلس الوزراء من احتواء كل ما جنت أيادي بعضه وبعض سواه في حكومات سابقة في انفجار هذه الفضيحة. وليس من باب المصادفة ان تترك أزمة الكهرباء تستفحل وتشتد وتعيد البلاد الى عصور الجاهلية في الطاقة فيما كان القاصي والداني في الحكومة وخارجها يعرف سلفاً ان ارتفاع منسوب الخزان البشري المقيم في لبنان مليوناً ونصف مليون لاجئ سوري سيفضي هذا الصيف الى الكارثة الحتمية. وما ينطبق على الأزمتين السالفتين ينسحب على الامعان المتعمد في التسبب بأزمات تمويلية قد تكون الاخطر في حال تركت الإنذارات المتكررة التي يطلقها وزير المال في شأن التحسب لازمة رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام تردد صداها بلا استجابة، علما أن هذه الازمة تنذر بتفرعات منها ما يمسّ الأسلاك العسكرية والأمنية ومترتباتها المالية التي لا تحتمل ترف التريث واللهو السياسيين. وما دامت صفحات هذا الجانب التسلسلي من الاستحقاقات قد فتحت على الغارب يكفي الاكتفاء بواحدة اخيرة منها هي التسبب (عمداً او عفواً لا فرق) بإحدى اكبر خسائر لبنان من الهبات ومشاريع القروض الميسرة التي يقال انها تناهز المليار دولار ما لم تسلك اصول اقرارها في مجلسي الوزراء والنواب، علما ان ما فقد منها حتى الان بات رقما موجعا بذاته.
قد نجافي الحقائق والوقائع ان قلنا ان تجارب الازمات الحكومية والسياسية السابقة لم تشهد استرهان الصراع السياسي لواقع الناس بدليل جرجرة ذيول صراعات صار عمرها عقداً واكثر حول الموازنات والملفات المتراكمة المفتوحة التي لم تقفل ابدا. مع ذلك لن نتحمّل ازمة ضمير اطلاقا ان قلنا ان إمعان الجهات المسترهنة حالياً لازمات الناس في أخطر ما يواجهه اللبنانيون من تداعياتها بات الوجه التقويضي الأخطر من كل هدف سياسي. فما لم يؤخذ بالسياسة يبدو انه استبدل باستباحة الناس.