كان أن كان في حديث الزمان مشروع تقسيمي يتهدّد الجمهورية العربية السورية حملته «السوخوي» الروسية إلى الأجواء السورية، مقطّعاً أوصال فضائها الوطني إلى فضاءات إقليمو-دولية برعاية روسية ومباركة إسرائيلية.
هي قصة التقسيم الآتي جواً من روسيا إلى سوريا، وقد بدأت فصولها تتكشف تباعاً مع طلائع الغارات الروسية على الأراضي السورية من خلال محاولات موسكو المستميتة لعقد صفقات مع دول الغرب والإقليم تستعرض في ظاهرها عضلات سلاح الجو الروسي، وتعرض في جوهرها «قالب» الجو السوري على طبق من فضّة لتقطيعه على مذبح التحاصص مع الولايات المتحدة الأميركية والناتو وتركيا وإسرائيل.
فما كادت موسكو تشدّ رحالها للإغارة على سوريا على متن رحلات «تطبيل وتهليل» الممانعة تحت شعار تعزيز الصمود ومحاربة الإرهاب، حتى سرعان ما أضحت تحطّ رحالها وتصبّ حممها في أحضان التنسيق مع إسرائيل وصولاً إلى إنشاء «خط مباشر» للتعاون والتدريب بين مركز قيادة الطيران الروسي في قاعدة حميميم السورية ومركز قيادة سلاح الجوّ في تل أبيب بعد صولات وجولات من المشاورات الثنائية بين الجانبين لتقاسم النفوذ الجوّي فوق سوريا.
وما بعد بعد تل أبيب، لا تزال الغارات الروسية «الممانعة» تستجدي التنسيق والتعاون مع واشنطن وتركيا لتقسيم المقسّم معهما في الفضاء الرحب السوري على وقع تفاخر المسؤولين الروس خلال الساعات الأخيرة بقرب الاتفاق مع الأميركيين حول سبل عدم التصادم والتضارب في الأجواء السورية بين «السوخوي» ومقاتلات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ويؤكد تقرير ديبلوماسي موثوق ورد إلى بيروت أنّ إدارة باراك أوباما لم تعطِ «الضوء الأخضر» للتدخل العسكري الروسي في سوريا غير أنها كانت «على علم مسبق» بحصوله وتعاملت معه على أساس أنه «واقع جديد» في الحرب السورية فانكبّ القيّمون في الإدارة الأميركية على وضع الدراسات والسيناريوات المتصلة بكيفية التعامل معه منعاً لتضارب المصالح «الطائرة» فوق رؤوس السوريين.
منذ اللحظات الأولى للتدخل العسكري الروسي اندلعت المحادثات على نار حامية بين موسكو وواشنطن بداعي الحاجة إلى عقد اجتماعات تنسيقية هدفها إنضاج «طبخة تسوية» جوية سورية. وبالتزامن كان رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو يعبّر على هامش انعقاد الجمعية العمومية الأخيرة للأمم المتحدة في نيويورك عن قلق بلاده المتفاقم من انعكاسات تطورات الأزمة السورية رافعاً الصوت والنداء لإنشاء «منطقة آمنة» سورية قرب الحدود مع تركيا بهدف احتواء أمواج النزوح المتدفقة من الشرق إلى الغرب، فقوبل طرحه باهتمام وجدية هذه المرة بعد أن أفضى تجاهله سابقاً إلى «قبّة باط» تركية أغرقت أوروبا بموجة تسونامي نازحة هزّت الغرب برمته ووضعته وجهاً لوجه أمام مرآة التخاذل الدولي حيال المأساة السورية.
وعلى قاعدة «تنظيم الصراع» أقلّه في الجوّ طالما تعذّر تنظيمه على الأرض المتروكة راهناً لإيران «والدواعش» تحت رعاية التفاهم الروسي – الإسرائيلي وحفظه، يكشف التقرير الديبلوماسي نفسه عن التداول حالياً في أروقة مشروع التقسيم الروسي للأجواء السورية بعدة سيناريوات حافظة لهواجس ومطامع اللاعبين الإقليميين والدوليين في الفضاء السوري، أبرزها سيناريو «fly limit zone» الموضوع بقوة على طاولة التنسيق والتعاون الأميركي الروسي الإسرائيلي التركي والذي يلحظ رسم «خارطة طريق» جوية تمنع التصادم بين المقاتلات متعددة الجنسيات في سماء سوريا حيث تكون الأجواء الممتدة من اللاذقية إلى دمشق حكراً على المقاتلات الروسية، بينما تُترك الأجواء من حدود تركيا حتى حلب لمقاتلات التحالف الأميركي الدولي والناتو والطيران التركي، أما أجواء الجولان وما بعد بعد الجولان في عمق المناطق السورية المحاذية فتكون إسرائيلية الهوى وخطوطها الجوية سالكة وآمنة أمام طلعات مقاتلات الاحتلال بالتفاهم والتنسيق مع «روسيا الأسد».
هي قصة «مونوبولي» تقسيمية لأجواء سوريا، وضعتها «السوخوي» الروسية على بساط بازار الاحتكار عرضةً للتناتش من السماء والنهش من الأرض. الحرب التي بدأت «قدسية» إيرانية تحت شعار «الواجب المقدس» دفاعاً عن مشروع المقاومة في مواجهة الغرب وإسرائيل، ها هي تتحوّل إلى «قدسية» روسية تسخّر إيران بجيشها وحرسها ومقاومتها لمهمة ضبط إيقاع الميدان تحت مظلة جوّية يشارك في تأمينها الغرب وإسرائيل.
.. وما بين «قدسية» طهران و«قدسية» موسكو تُنتهك قدسية القدس تحت أنظار «الممانعين الروس الجدد» المتفهّمين لانتفاضة «السكاكين» على الأراضي الفلسطينية والمتفاهمين مع الإسرائيليين على «تقطيع» الأجواء السورية.