لماذا لا تستطيع الغارات السعودية الحسم في معركة مع بلد رُسمت له الحياة في وضع «الهزال»؟
ولماذا تركت إيران مقعدها المعادي للعالم، ووصلت إلى مبادئ مع «الشيطان الأكبر..»، وغادرت عزلتها؟
… وأيضاً لماذا لا تفصح القيادة في مصر عن موقفها من «عاصفة الحزم» ومشاركتها (في الغارات) وقرارها المخفي (بعدم المشاركة في حرب برية) هذا في ظل نظام يُبنى حول الرئيس «السيسي..» وفي ظل شعبية بدت في طغيانها الأول غير مسبوقة في تاريخ مصر؟
… سؤال آخر: لماذا بدت المؤسسات السنية الرسمية (الازهر على رأسها طبعاً) مهددة وتدافع عن أصولها، في استعراضات «ميديا» تقتات على رغبات الجماهير في «الفرجة»؟
هذه أسئلة تخرج من بين التراجيديا المحيطة بنا، والمسيطرة على المزاج العام، بينما يقاومها تيار قوي باتجاه ما يمكن تسميته «البحث عن الحياة» وسط كل هذا الخراب بعد فترة لمع فيها «البحث عن اللذة» او ما يمكن تسميته إعلاء الطلب على «السعادة».
أي أن الناس الذين خرجوا رافضين هندسة توزيع الثروة والسلطة، ارتفع سقف طموحاتهم، بعد سقوط القشرة الأولى من النظام الاستبدادي، لتخرج قطعان جائعة لفرض هندستها «المستوحاة من لحظة المجد الإسلامي..» و المعتمد على مرجعيات دينية.
– 2 –
وهنا تم استبدال «الثورة» بالصراع على السلطة بين «المستبد القديم» والذي يطالب بفرصة «استبداده»، وهي منافسة تغطي على تصورين لمواجهة سؤال التحديث (بعد سقوط الأستانة): هل تقود القوة (الجيش وأجهزة المخابرات وما يتبعها من جهاز بيروقرطي للدولة) أم الدين… (بجماعاته التي أرادت تأصيلاً أكثر راديكالية للانتماء إلى نظام الخلافة..)… صراع على قيادة نظام حكم (يرث الخلافة)… ويبني على شرعيتين متلاصقتين (سياسية ودينية)… وهنا اختارت السعودية او اختير لها الشراكة بين مؤسسة عائلية للحكم… ومصر قوة الحاكم الفرد الذي يخضع الجميع، ويوزع العدل، ويضمن ولاء المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر) التي أتت به احتجاًجاً على ظلم الخليفة العثماني…. أما إيران وبعد مرحلة الإمبراطورية الموالية للغرب اختارت موديل «ولاية الفقية» موازياً لنظام الخلافة بشكل ما.
هنا… والآن… لم تعد أياً من هذه الصيغ (في توزيع العلاقة بين الدين والقوة)… قادرة على التعايش (كما وجدت او على حسب إرادة القائمين عليها)..
بينما الجماهير تنصرف تدريجياً من «الحشود» طالبة الحياة… وهذا يرعب المتحاربين جميعاً… فلا طرف منهم لديه ظهير شعبي كامل الأوصاف، مكتمل القدرة على منح «التفويض» على بياض.
– 3 –
بينما تخرج كل الطلاسم من سراديبها الكهنوتية فإن الموضوع الأساسي أن المؤسسات المتضخمة مثل الأزهر وصلت إلى مرحلة الدفاع عن ذاتها، بينما في المقابل تعضعض «الميديا» في هذه المؤسسات الديناصورية فيما تحاول ان تمنحها صبغات مقدسة، ويشحن ابناء المؤسسة المخلصين بطاريتهم ليقولوا من دون إفصاح إنهم حرّاس الكهنوت، وهذا يعيدهم إلى الكتب الصفراء، ما تقدس منها وما أثار غريزة دارسيه بالنفايات الرثّة، هنا يلعب الحواة العابهم، وتلوح السلطة بعصاها المضطربة علَّ المؤسسة الديناصورية تنقذها وتضمد شرعيتها… بينما الحياة تسير في اتجاه آخر، لا تتيح للسلطة إعادة إرداء مسوحها المؤمنة، ولا لمؤسسات تقاوم مصيرها الملتصق بـ «داعش» ان تلعب دوراً مؤثراً، وهنا ينشأ الفراغ الذي يزيد الناس غربة فهم يتكئون على فيض الفتاوى كعكازات حياتية، ويعيشون بمنطق واقع لا تتفاعل فيه فيض النفايات. وكان استتباب توزيع السلطة بين ساكن القصر ومؤسسته الدينية، وصفقاتها مع جماعات الصحوة الاسلامية بفروعها المعتدلة والتائبة، مضافا إلىها مشايخ سلفية تحت طلب اولي الامر، هذه التركيبة ملأت الفراغ الذي ينفتح الان بكل وحشته وتوحشه…، الناس معلّقون الان في فراغ لا يجدون فيه ما يستأنسون به… من البضاعة القديمة، اقصى ما يفعلون هو همهمات استدعاء لأشباح من هذه البضاعة، وادراك ربما يكبر او يتلاشي، بأن عليهم وحدهم مواجهة هذا الفراغ بعد ان ثبت عدم قدرة احد على نجدتهم.