من تحصيل الحاصل أن يكون الوضع اللبناني أقرب إلى صورة الواقف على شوار، أو في بوز المدفع، وأصدق من أي تصوّر أو احتمال آخر.
وهو يشبه الأعزل في وسط ساحة مشتعلة بكل أنواع القتال والنزال والحوربة.
وهل ننسى أن لبنان مفرَّغ رئاسيّاً منذ ما يقارب السبعة عشر شهراً، كذلك مؤسّساته الدستوريّة المعطَّلة كليّاً، ومعها دورة الحياة، والإنتاج، وحركة الاقتصاد، والعمل في كل الأرجاء وكل الأسواق وكلّ القطاعات؟
نحن اليوم هنا، عند هذا المنعطف الكبير والخطير، لنتابع التطوّرات اللبنانيّة بحقائقها مع الرئيس تمّام سلام والكلام الصريح والدقيق الذي أطلّ به على دورة توزيع جوائز التميّز العلمي، والذي وضع عبره النقاط على الحروف، محذّراً من الهموم والمخاطر ومنابع القلق التي تجتاح البلاد طولاً وعرضاً.
عندما يكشف سلام الغطاء الرسمي المسؤول عن الواقع الراهن بكل أزماته وأمراضه، فإنه لا يتردّد في القول على الملأ إن الحكومة بتركيبتها وتمزّقاتها الداخلية “عاجزة عن إيجاد الحلول والمخارج لمشاكلنا وتراكم السلبيّات والإخفاقات والعقبات”.
لم يشأ رئيس الحكومة أن يلقي بالمسؤوليّة على هذا الفريق أو ذاك، رغبة منه في عدم إتاحة أية فرصة أو أيّ مجال للمتربّصين بالبلد وبالبقية الباقية من استقراره وتلاحمه الخجول.
وعلى رغم تعمّد تكتّلات نيابيّة وسياسيّة وضع العصي في دواليب حكومته، وتكويم تلال العقبات كتلال النفايات في طريقها، فإن تمّام سلام مستمرّ في تحمّل المسؤوليّة داخل الحكومة أو خارجها، وسيبقى ملتزماً بكل ترفّع تحمّل مسؤولية مزدوجة الهموم والمخاطر: سواء بالنسبة إلى الحرص على بقاء الحكومة عنواناً أساسيّاً لاستمرار الدولة والسلطة والمؤسسات، ومن جهة أخرى تجاوز كل محاولات مستنبطي الأزمات والعراقيل لغايات لم تعد خافية على أحد.
صحيح أن الدولة مقصِّرة في كل المجالات، لكنها لا تزال تحافظ على الكثير مما يحمي التركيبة اللبنانية من التهوّر والمغامرات الغوغائية: سنبقى مستمرّين في مساعينا وصمودنا لما فيه مصلحة لبنان العزيز علينا جميعاً.
في السياق ذاته، وفي صدد الهموم إياها، يفاجئنا الوزير بطرس حرب، العائد حديثاً من زيارة للولايات المتحدة، بأجواء وأصداء تزيد قلقنا وتضاعف هواجسنا، وخصوصاً حين يُنبئنا بأن الجوّ الدولي يعتبر أن لبنان يعني اللبنانيين وحدهم فقط… “ويخطئ اللبنانيون كثيراً إذا اعتقدوا أن العالم مهتمّ بشؤونهم. وإذا لم يحلّوا مشاكلهم بأيديهم، فما من أحد سيحلّها لهم”.
إنما ماذا تفعل يا شيخ بطرس إذا كان اللبنانيون اعتادوا الأوصياء بمختلف جنسيّاتهم؟