أعلن الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصرالله بدء المعركة مع تنظيم «داعش« على الحدود اللبنانية-السورية، بعد أيام قليلة على خطاب قال فيه إن المعركة القادمة ستكون مع «داعش» في «القلمون الشمالي». فما الذي سرّع هذا الاشتباك ؟ هل فعلاً بادر «داعش» الى مقاتلة «حزب الله« كما قال السيّد؟ ام أن الحزب استدرج داعش الى «فخّ الفجر» كما اعلنت منظومته الاعلامية؟ ام أن كلام نصرالله هو عبارة عن حرب دعائية صار بحاجة اليها بعد الشواهد الكثيرة المحرجة على ان «داعش« ليس من اولويات «حزب الله« في سوريا؟
على وقع انتصارات المعارضة المسلحة في الجنوب السوري، أطلّ نصرالله في مؤتمر «التجديد والجهاد»، ليتحدّث بشكل مقتضب عن انتصارات «رجال الله» في جبال القلمون وتطورات المعارك فيها. كلام السيّد تمحور حول 3 نقاط رئيسية: أولاها والأهم أن معركة الحزب مع «داعش« انطلقت، وثانيتها أن الحزب خسر مقاتلين في جولة المعارك مع التنظيم، والثالثة أن المعركة قد تطول، رافضاً مجدداً الالتزام بجدول زمني.
في إعلانه «انطلاق المعركة مع داعش»، دخل نصرالله في تناقضات كثيرة مع منظومته الإعلامية. ففيما أعلنت احدى الصحف الموالية للحزب ان «رجال الله« استدرجوا «داعش» الى «فخّ الفجر»، أكد نصرالله أن «داعش« هو من بادر الى القتال، وبأن «تبدأ جماعة بقتال أفضل لنا من أن نبدأها «! هذه ليست أكبر التناقضات. فأحد كتّاب «حزب الله« ومن يعملون في مطبخه الاعلامي (إيليا ج. مغنيار- علي مغنية)، قال في ردّه على رئيس الاستخبارات الاسرائيلي «الموساد» أفريم هالفي، الذي اعتبر ان «حزب الله يساهم في أمن اسرائيل في كل يوم يصطدم فيه مع داعش»، قال:»هالفي بعيد عن الواقع لأن حزب الله لم يشتبك مع داعش ولا توجد خطوط تماس مباشرة معه، ما عدا بعض المجموعات في جرود عرسال«!
اذا كان فعلاً لا وجود لخطوط تماس مباشرة بين الحزب والتنظيم، واذا كان نصرالله قد اعلن منذ يومين فقط عن «بدء المواجهة مع داعش»، فمن هو اذن الذي قاتله نصرالله طوال سنتين في سوريا ؟ من قاتل نصرالله في القصير ودمشق والغوطة ودرعا وحلب ؟ سنتان ونصرالله يبيع المسيحيين والمسلمين كلاماً عن حمايتهم من «سيف داعش». لكن الميدان يقول بأن «داعش« والنظام حاربا على الجبهات نفسها طوال سنوات، وفي اي جبهة يكون وضع النظام فيها حرجاً، يظهر «داعش« فجأة ليهاجم الثوار. حتى ان «حزب الله« ومنذ اعلانه رسمياً دخول المعارك السورية، لم يخض حروباً الا بوجه «الجيش الحر» وتشكيلات المعارضة الاسلامية، غير المنضوية في متفرعات تنظيم «القاعدة». ولم تصدر اي معلومة تفيد أن «حزب الله» خاض المعارك مع «التكفيريين» لا في القصير ولا في ريف دمشق ولا في حلب. فكيف يمكن لـ»داعش« الذي استخدمه النظام السوري في حروبه على المعارضة ان يواجه حلفاء الاسد؟ وكيف يمكن لتنظيم ارهابي تسلّل الى مخيّم اليرموك والغوطة تحت أعين النظام وشبيحته دون ان يلقى اي مواجهة من هؤلاء، ان يشتبك مع حلفاء الاسد؟ وكيف يمكن لداعش «المحظوظ» الذي لم يحظ بحصة من البراميل المتفجرة بعد سيطرته على تدمر ان يشتبك مع حلفاء النظام؟ وكيف يمكن للتنظيم الذي فجّر سجن تدمر وطَمَسَ تاريخ الاسد الاجرامي ان يواجه حلفاء الاسد؟ ستتباهى الممانعة بأن هذا التنظيم الارهابي اشتبك مع النظام في موقعين فقط على كامل الاراضي السورية، الاول في مطار الطبقة في الرقة والثاني في حقل شاعر في حمص؟ صحيح، لا غبار على هذا الكلام. لكن «داعش« هَدَفَ في هاتين المعركتين للسيطرة على السلاح والنفط فقط. نفط «داعش« الذي يُباع للنظام ويُغرِق مناطق نفوذ الاسد بحاجياتها.
فماذا طرأ على المشهد، حتى بات «حزب الله« بحاجة الى الاشتباك مع «داعش»؟
بحسب معلومات لـ»المستقبل»، فإن الاشتباك بدأ عندما استهدف «حزب الله« موقعاً لـ»داعش» في منطقة مقابلة لجرود القاع، ما استدعى رداً من هذا التنظيم الارهابي على مواقع للحزب في جرود بلدة القاع في الجهة السورية وفي جرود رأس بعلبك. وبحسب مصادر مراقبة، فإن حزب الله الذي يعاني تهمة عدم محاربة الجماعات «التكفيرية»، استدرج «داعش» الى معركة «موضعية»، لاستثمارها إعلامياً، وبخاصة ان معركة القلمون الغربي لم تنتهِ بعد لصالح «حزب الله« حتى ينتقل الى القلمون الشمالي لمحاربة «داعش»، بحسب استراتيجية نصرالله التي كشف عنها الاسبوع الماضي.
وجد «حزب الله« نفسه مُلزماً بفتح معركة مع تنظيم إرهابي، تسلّل الى القلمون قبل شهور قليلة لمحاربة أعداء الاسد كما فعل في جبهات كثيرة على مساحة سوريا. وهذا ما بدا واضحاً مع اطلاق «حزب الله« معركة القلمون، حيث حاصر والتنظيم «جيش الفتح« في اكثر من جبهة. وتزامناً مع كل هذا، يتقدّم الجيش الحر جنوباً، ويسيطر، بالاضافة الى اللواء 52 ومطار الثعلة، على قريتين مسيحيتين (الدارة ورخم)، دون وقوع ضربة كف واحدة، ولم يتعرّض اي فرد من سكان القريتين لأي اهانات او ممارسات ارهابية، لطالما حذّر نصرالله السوريين منها! ألصق نصرالله تهمة الارهاب بكافة المعارضين. فالسوري «المعتدل» الذي لا ينتمي الى «داعش« او «النصرة« ولا يرفع رايات سوداء، هو عميل لإسرائيل، بنظر الحزب. ومن الشواهد على ذلك، محاربته لأهالي القصير وقتلهم وتهجيرهم قبل ان يعرف العالم بـ «داعش« و«النصرة«. أحرق مدناً بأكملها. عمل على تقوية الارهاب ليخوض تحت ستاره حرباً على المجتمع السوري وكافة فصائل المعارضة، وليصبح ومحوره البديل الطبيعي عن هذا الإرهاب، الذي اصبح لا بد من مواجهته، حتى لو كانت هذه مواجهة موضعية وإعلامية، علّه ينجح في التنصّل من حقيقة واحدة : تنظيم «داعش« يحقق مصالح ايران الاستراتيجية ويتقاطع معها في الحرب على الثوار والاعتدال !