Site icon IMLebanon

حين يُستدعى المستقلّون لمواجهة «المزاج المسيحي»

«لسعة البيال» تزيد التأييد لتلاقي «التيار» ـ «القوات»

حين يُستدعى المستقلّون لمواجهة «المزاج المسيحي»

سيطبع ما قاله الرئيس سعد الحريري في ذكرى 14 شباط، وما حاول الايحاء به بسلوكه، مرحلة طويلة من العلاقة بينه وبين حلفائه المسيحيين. فهو بطريقة او بأخرى، مؤشر لمنظوره، وفريقه السياسي، الى طبيعة التحالف والشراكة والعلاقة مع المسيحيين.

مشهدان يختصران اللحظات الاكثر تعبيرا عن هذا الواقع:

المشهد الاول تجسّد في الانتقاد الحاد والمدروس والمحفوظ جيدا لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. فبعد ان اعتبر ان من حقه الديموقراطي ترشيح العماد ميشال عون، عاجله بتحميله، بطريقة فجّة، مسؤولية الصراع المسيحي – المسيحي، وحتى اللبناني.

اما المشهد الثاني فتجلى باصرار الحريري على الصورة المشتركة لـ «14 آذار» مستدعيا «المستقلين» فيها بالاسم: «بطرس، ميشال، فريد، سمير وفارس». هي دعوة قد تلخص جزءا اساسيا من طريقة تفكير فريق الحريري وادارته. فدعم هؤلاء المستقلين والاحتفاء بهم واعطاؤهم المساحة، ليس من باب الاحتفاء بالتمايزات والتنوع من ضمن فريق «14 آذار». وليس ايضا من باب تثمين الفكر المختلف او النقدي، ولا حتى من باب تمثيل الحساسيات المناطقية، ناهيك عن الوطنية. انها ببساطة ورقة مفيدة لرفعها عند كل مفصل في وجه الاحزاب المسيحية. ولقد بات مكررا، ومملا، التقرب من «القوات» عند الاختلاف مع «الكتائب»، والتودد لـ «الكتائب» عند الاختلاف مع «القوات».

اما المستقلون، وهم من كان يفترض ان يكونوا المساحة التي يلتقي عندها اصحاب الاحلام والمشاريع الوطنية المتخففين من الخطاب الطائفي والمذهبي، فان الحريري يصر على تحجيمهم وتأطيرهم في الاطار الذي يناسبه.

لا يمكن لأحد أن ينكر تمثيل من اسماهم الحريري في مناطقهم، وان بأحجام ونسب مختلفة. حاول هؤلاء، كل باسلوبه، وان لم يكن دائما عن قصد، ان يوّسع هامش حضور السياسة وحضوره في السياسة. من مكاري الى فرعون وصولا الى حرب، الأعرق تجربة. جاهد سمير فرنجية محاولا خلق «فكر» ما لفكرة «14 آذار» وترجمتها. ويواصل فارس سعيد المكابرة و «الممانعة» للابقاء ولو على «يافطة 14 آذار».

لكن دعم هؤلاء، ومن خلالهم دعم فكرة توسيع الحراك والتمثيل في الشارع المسيحي تكريسا لعدم احتكار السياسة، لا يكون بوضعهم في وجه الاحزاب المسيحية حصرا. في ذلك بعض من خفة سياسية ووطنية، وحتى اخلاقية.

فعلى امتداد سنوات حاول المسيحيون التغني بالتعدد في اوساطهم. ولم يكن هؤلاء يرون في الخلاف بين الاحزاب المسيحية الا حسنة واحدة: هامش اوسع من الحرية.

حتى هذا الهامش كان ضيقا عليهم. فبقي كثيرون يختارون، حتى ولو لاسباب شخصية ومناطقية احيانا، مرشحين من خارج الاصطفاف الحزبي المسيحي. هذا ما يفسر، في احد وجوهه انتخابهم المستقلين الذين ذكرهم الحريري، اضافة الى آخرين أمثال المرحوم الياس سكاف في زحلة ومنصور البون وفريد الخازن في كسروان…

وليس تفصيلا عندما ينادي الحريري على المستقلين في «14 آذار» الا يكون بينهم، اقله على المستوى القيادي، سنّة او دروز او شيعة.

فلماذا يريد أن يُظهِّر هؤلاء وكأنهم في مواجهة مع «المزاج المسيحي العام»؟ في حين تبقى شراكتهم منقوصة ومهمشة في زمن توافقه مع الاحزاب؟

كان يُفترض ان يحتل هجوم الحريري المتكرر على «حزب الله»، وهو الجالس معه على طاولة حوار دائمة، واستمراره في دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية اهتمام الاوساط المتابعة، ومن بينها المسيحيون. لكنه نجح في حصر اهتمامهم بعبارة وجهها الى جعجع وبصورة جاءت لتعاكس المطلوب منها لجهة اظهار مدى تماسك «14 آذار». وهو على الارجح دعم من دون ان يقصد او يتمنى، التقارب بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية». واظهر جعجع، أكثر حكمة وقدرة على التعالي عن «صغائر» انتقاده، ولو جاءت من صاحب الدعوة للمشاركة في ذكرى اغتيال والده، ولاحقا برفضه اعتبار زيارة الحريري له في معراب اعتذارا.

لكن الاشد ضررا من كل ذلك هو الرواسب التي تركها الكلام والسلوك على المستوى الشعبي. فالتحسن اللافت للانتباه في الإلقاء، والطلاقة في القراءة والتعبير ساهما في ايصال الرسالة بوضوح اكبر للمسيحيين: فاما توافقوننا على ما نطرح ونريد.. واما لسعاتنا حاضرة كما ساحات المواجهة على ارضكم، ولو بطرق لا تليق بقادة سياسيين.