IMLebanon

فيما يرزح تحت إدارتَي إيران وروسيا النظام الذي خرب لبنان يرفض سوريا مثله

من ضمن المتابعة اليومية للموضوع السوري، كان لافتا إعلان ممثل النظام السوري في الامم المتحدة ورئيس وفده الى المفاوضات في جنيف بشار الجعفري (متحدثا باسم من يمثل) “أننا لا نريد ان تكون سوريا مثل الصومال او العراق او لبنان او ليبيا، ولا نريد دولة فاشلة”. وما يواجهه العراق وليبيا مفهوم في ضوء التغيير الجذري الذي شهده العراق بعد احتلاله من الولايات المتحدة وإسقاط صدام حسين، وكذلك ليبيا بعد إسقاط معمر القذافي، بحيث ان استعارة المندوب السوري للنموذجين المذكورين هي صياغة جديدة لما دأب النظام على ترويجه منذ بدء الانتفاضة الشعبية ضده في 2011، وهو منطق ينبغي الاقرار بأنه خدمه نتيجة انكفاء الغرب عن الانخراط في دعم المعارضة السورية، لئلا تغدو سوريا مثل العراق او ليبيا، بغض النظر عن صوابية ما حصل أو عدم صوابيته. إلا أن إدراجه لبنان من ضمن البلدان التي لا يطمح مندوب النظام الى أن تكون سوريا على غرارها، هو أمر لافت، استنادا الى أن لبنان كان قبل الحرب، لا بل حتى خلالها، ورغم كل ما أصابه، قبلة الطموح السوري شعبيا وسياسيا. ويودّ كثر أن يعتقدوا ان هذا ما قصده مندوب النظام بإدراجه لبنان من ضمن قائمة الدول التي لا يريد أن تكون سوريا مثلها، إنما يستند الى رفضه لاقتراحات حلول تطرح على هامش المفاوضات الشكلية الجارية في جنيف. ما حلّ بلبنان نتيجة الحرب وبعدها، يتحمل النظام السوري بالذات مسؤوليته، بما فيه ما وصل اليه راهنا لجهة عدم القدرة على التوافق بين مكوناته نتيجة سوء إدارة مقصود تعمده النظام في إدارة تنفيذ اتفاق الطائف الذي أوكل اليه، كما لجهة تسليح ميليشيات والابقاء عليها تحت مسميات قومية، وتكبيرها الى حد تخطيها قدرة الدولة. والمجال ليس للخوض في ما قام به النظام وما كانت ممارساته في تخريب لبنان على كل الصعد، الى الحد الذي أنتج خللا دستوريا وسياسيا يصعب رأبه، بل في كون النظام يرفض التمثل بلبنان، فيما تتجه الاقتراحات التسووية للحرب الاهلية السورية الى استنساخ صيغة لبنان السياسية التي ساهم هو في صياغتها بعد الحرب، إنما بالتعديلات التي تتوافق مع الواقع السوري. فإذا كان النظام يرفض ما يعتبره كأسا حرص على أن يشربها لبنان، وكان هو بالذات وصيا على تنفيذه، فإنه مع الوصاية الروسية التي أمن لها استمراريتها في الاتفاق الذي وقعه مع روسيا قبل اشهر قليلة، وفي ظل ميليشيات تنشأ على جوانب النظام السوري راهنا، وهو لا يزال لا يستطيع أن يستغني عنها بما تقيمه ايران و”حزب الله” في سوريا، سيكون طموح المندوب السوري كبيرا اذا استطاع الاسد ان يحتفظ بسوريا، فيما هو يستعين بالنموذج اللبناني ليرفض صيغة معطلة على غرار الصيغة الحالية. ولا يمكن في هذه الحال سوى أن يتساءل المرء عما إذا كان التعطيل المقصود والذي يمارسه على نحو واضح ومعلن حلفاء النظام السوري في لبنان هو من أجل خدمة أهداف النظام السوري. والواقع أن الصيغة اللبنانية تستمر معطلة ولا يجوز اعتمادها لان النظام السوري سيتم تعطيله ايضا بالطريقة نفسها اذا اعتمد لها صيغة مشابهة، في حين أن النظام هو من فخخ الصيغة اللبنانية ومنع تنفيذ اتفاق الطائف، ومارس احتلالا مباشرا ومعلنا للبنان بهذه الذريعة.

سوريا هي الآن دولة فاشلة. في تعريف الدول الفاشلة انها تلك التي تكون ذات حكومة مركزية ضعيفة او غير فاعلة، ولا تملك الا القليل من السيطرة على جزء كبير من أراضيها، أو أن تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الاراضي التي تحكمها، الى جانب فقدانها شرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها، كما عجزها عن التفاعل مع الدول الاخرى كعضو فاعل في الاسرة الدولية، وعجزها عن توفير الحد الادنى من الخدمات العامة. ويضاف الى هذا التعريف واقع وجود دولتين أجنبيتين منعتا النظام من الانهيار الى جانب ميليشيات وتنظيمات متعددة. وعلى رغم استعادته بعض المناطق بمساعدة اساسية من هؤلاء جميعا، لا يمكن ان يستغني عن وجود هؤلاء الى جانبه في مواجهة معارضيه. يعيش النظام السوري ومن يمثله على الارجح حالا من الاصرار على إظهار الدولة السورية قائمة وقادرة على استعادة السيطرة استنادا الى الدعم الروسي والايراني. وهو أمر مفهوم في ظل الرهان على الوقت وتعب الدول الخارجية وانصرافها عنه أو حتى تغير إداراتها او حتى تبني بعض المنطق الذي اعتمده لجهة عدم التخلي عنه فورا لعدم سقوط سوريا كما سقطت ليبيا او العراق، باعتبار انه تعلم من تجربته في المساومة على لبنان حين كان وصيا عليه. ويجب الاقرار بأن الدعم الذي توفره روسيا وايران للنظام على الارض وحتى في المفاوضات من خلال انتقاد روسيا المعارضة والحرص على تفخيخها بمعارضة تنتمي الى النظام يساهم في رفع سقف شروطه. لكن اللعبة لا تعتمد فقط على النظام والاطراف الداعمة له، وهناك اطراف اخرى مؤثرة وبمصالح كبيرة في ظل استغراب يتشارك فيه مراقبون كثر لجهة ان النظام بعد خمس سنوات على الحرب الذي دمر فيها بلاده، لا يزال يتعامل مع الحرب الاهلية كما لو انه يمتلك كل مقومات السلطة والقدرة كما قبل الحرب.