«التنوّع مطلوب.. لكن الأجنحة ممنوعة»
بعد إرجاء الانتخابات النيابية والتمديد للمجلس النيابي مرتين متلاحقتين ـ حتى الآن ـ استقطبت الانتخابات التمهيدية التي أجراها «التيار الوطني الحر» مؤخراً الأضواء، خصوصاً أنها بدت بالنسبة الى محازبي التيار وأنصاره بدلاً عن ضائع.
لكن هذه «المغامرة» غير المسبوقة في تاريخ الأحزاب اللبنانية، ترافقت مع حالات اعتراضية على سلوك رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل، ما لبثت أن تطورت الى مواجهة إعلامية، انتهت الى فصل المحكمة الحزبية رموز الاحتجاج زياد عبس وأنطوان نصرالله ونعيم عون، الامر الذي أرخى ظلاله على مناخ العملية الانتخابية.
يستغرب باسيل، كما ينقل المقربون منه، اختصار البعض التجربة الديموقراطية التي يخوضها «التيار الحر» بقليل من المظاهر او الظواهر الاعتراضية التي لا تعكس حقيقة الصورة ولا تختزلها، لافتاً الانتباه الى ان اللقاء البرتقالي الاخير الذي عقد لمناسبة ذكرى السابع من آب، وغداة انجاز الانتخابات التمهيدية، بحضور العماد ميشال عون، أثبت أن التيار بألف خير وانه خرج من الاختبار الانتخابي أكثر قوة وحيوية.
ويلفت باسيل الانتباه الى ان المجموعة المعترضة هي محصورة، «وأنا شخصياً حاولت لوقت طويل استيعابها، حتى بعد ارتكابها المخالفات، لكنها لم تتجاوب»، معتبراً أن مشكلة هذه المجموعة كانت مع العماد ميشال عون بالدرجة الاولى، وهي اصطدمت معه أكثر من مرة في الماضي، والآن أصبحت خارج الوعاء التنظيمي وبالتالي لم يعد يصح الخلط بينها وبين الجسم الحزبي، «وأنا لن أخوض في المزيد من التفاصيل التي اعرف الكثير منها وعنها، لانني أريد ان أطبق على نفسي ما أطلبه من الآخرين، وهو عدم التداول بالشؤون الداخلية للتيار، خارج الأطر التنظيمية المعتمدة».
ويبدي باسيل في هذا الإطار تحسساً شديداً حيال تسريب خصوصيات «التيار الحر» الى الإعلام، خلافاً للتقاليد المتبعة في الأحزاب التي من حقها ان تحمي نفسها على اساس ضوابط تنظيمية محددة، مشيراً الى انه كان أحياناً يعرف من وسائل الإعلام ان فلانا من التيار اختلف مع فلان او فلانا اشتكى على فلان، فهل هذا طبيعي وصحي؟
وللدلالة على حساسية الأمر، يروي باسيل ـ وفقاً للمقربين ـ كيف أن حزباً لبنانياً صديقاً عاتب التيار بشدة، في إحدى المرات، «وكادت تنشب أزمة بينه وبيننا، فقط لأننا استقبلنا أحد قيادييه المفصولين.. الى هذا الحد، يحتاط البعض عندما تغدو المسألة متعلقة بكرامة الحزب ومعنوياته».
وينفي باسيل أن يكون المطروح كمّ الأفواه في التيار، مشدداً على أن الدينامية الداخلية هي إحدى أهم خصائصنا وغرفنا المغلقة تضج بالنقاش والحيوية، لكن هذا شيء والفوضى شيء آخر.
وتوضيحاً لقوله قبل ايام انه يرفض وجود معارضة في داخل التيار، يشير الى ان المقصود هو انه ممنوع بروز تيارات وأجنحة او موالاة ومعارضة في التنظيم الواحد، على قاعدة ان هذا مع رئيس الحزب وذاك ضده، مؤكداً ان هذا النوع من الاصطفاف والفرز مرفوض، لأنه يُضعف المؤسسة ويبعثرها، «أما النقاش وتعدد الآراء فهما ضروريان، بل ان منسوبهما مرتفع أصلاً في التيار، واكبر دليل على هذا التنوع الديموقراطي عندنا هو ان هناك كوادر مصنفة بأنها متمايزة، شاركت في الانتخابات التمهيدية.. وفازت، وهناك رموز خسرت وبعض المقرّبين من الجنرال لم يحققوا أرقاماً قياسية (نموذج الشوف)».
ويرى باسيل ان أهمية الانتخابات التي جرت، تكمن في انها جعلت المرشحين وبينهم النواب الحاليون يتواصلون مع قواعد التيار، وبالتالي، أعطت كل ذي حق حقه، مشيراً الى ان هناك في التيار من كان يظن ان النواب هم مفروضون ولا يمثلون حيثية حقيقية، فأتت النتائج لتبين ان معظمهم يملك حجماً وحضوراً على مستوى القاعدة البرتقالية، كما ان نواباً كانوا يعتقدون أنهم الاقوى، فأتت النتائج لتثبت ان لدى آخرين وزناً لا يستهان به.
ويشير باسيل الى ان التيار يمر في مرحلة انتقالية، سيعبر خلالها من حالة الانفلاش الى حالة المؤسسة، واكتمال هذا التحول يستغرق وقتاً (أربع سنوات) ويتطلب كلفة، لأنه ليس سهلاً الدخول في تجربة جديدة بعد سنوات طويلة من غياب المعايير الناظمة والآليات الحزبية، «ويكفي ان تتصوروا ان تكتل التغيير والإصلاح كان تقريباً الإطار التنظيمي الوحيد الموجود، إضافة الى مواقع متفرقة كانت تتولاها شخصيات معينة، أما الآن فأصبح لدينا رئيس حزب ومجلس سياسي ومجلس وطني ومحكمة وغيرها من الهيئات الحزبية».
ويعتبر باسيل أن تحويل التيار البرتقالي إلى حزب منتظم يشكل الضمانة الحقيقية لفكر العماد عون ونهجه، وعلى من يحبّ الجنرال ويؤيد طروحاته أن يكون شريكاً في صناعة هذا المسار ومواكبته.