لأننا أصبحنا في جمهورية السلبيات فإننا بتنا نعيش بين كمٍّ هائل من اللاءات:
لا جلسات لمجلس الوزراء.
لا جلسات لمجلس النواب.
وبالتأكيد لا لقاءات في قصر بعبدا لأنَّ لا رئيس.
لا معالجة لأزمة النفايات.
لا علاج لاستمرار تدفق النازحين السوريين.
لا حلول للفيضانات في كلِّ مرة تهطل فيها الأمطار.
لا حلول لأزمة الكهرباء وانقطاع المياه.
لا حلول لصيانة الطرقات والإنتهاء من الحفريات.
***
وإذا استمرينا في التعداد لامتلأت الصفحة باللاءات، ومَن لديه إيجابية واحدة فليتجرأ ويعلنها، وبالتأكيد لن يجد. فزمن ال نعم والإيجابيات ولَّى منذ زمن بعيد، وتحديداً منذ صارت حكومة الرئيس تمام سلام هي الخبر اليومي للبنانيين، فأداؤه المتردِّد وتلويحه بالتهديد من دون الفعل، كلُّها عوامل تُشكِّل عقبات في وجه التفتيش عن أيِّ بصيص أمل.
***
هدَّدنا بأنَّ خميساً لناظره قريب، ها هو الخميس قد حلَّ فماذا فعل عملياً؟
وماذا سيفعل؟
بالتأكيد لن يُقدِم على أيِّ شيء، بالرغم أنَّ في الحكومة اليوم وزراء بارعين، نرفع لهم القبعة لنشاطاتهم وإنجازاتهم غير المسبوقة أحياناً… فلماذا ينجح الوزراء منفردين وتفشل حكومتهم المجتمعة؟
– وزير المال علي حسن خليل ربما يحمل بجدارة مسؤوليةً هي الأثقل في تاريخ وزراء المال عبر الحكومات المتعاقبة.
– وزير الداخلية نهاد المشنوق أثبت أنه الرجل المناسب في الوقت المناسب. وإذ يحظى بثقة الرئيس سعد الحريري الكاملة، يقوم المشنوق بدور يحتاج ربما إلى ثلاثة وزراء وأكثر ليستطيعوا القيام به. فهو وزير المرحلة بكلِّ المعاني.
– وزير الاتصالات بطرس حرب أثبت أنَّ هذا القطاع قادرٌ على الإنتقال من مرحلة المعاناة إلى مواكبة العصر والتقنيات الحديثة.
– وزير السياحة ميشال فرعون، لم يسبق أن شارك وزيرٌ للسياحة قبله، عن كثب، بعشرات المهرجانات والإحتفالات السياحية في الصيف اللبناني. لقد حاول وحيداً أن ينقذ الموسم من براثن الشلل والركود.
– وزير الزراعة أكرم شهيّب، يتولّى الملف الأكثر خطورة في الوقت الحاضر، أي ملف النفايات، وقد أنجز خطةً هي الأفضل ولا بدّ من تقدير هذا الجهد بتنفيذها.
– وزير الخارجية جبران باسيل، لم يسبق أن قام وزير للخارجية مثله بجولات عالمية بهدف شرح الواقع اللبناني، خصوصاً في ملف النازحين، وطلب المساعدة من المجتمع الدولي.
– وزير التربية الياس بو صعب، رجل المهمات والملمات التربوية، الذي استطاع تمرير أزمات الإضرابات التربوية والجامعية من خروم الشبك.
– وزير الإعلام رمزي جريج الهادىء الرصين، الواثق من إمكاناته كمحامٍ وكمسؤول.
– وزير الصحة وائل أبو فاعور، هو الأول في تاريخ الحكومات اللبنانية في فتح باب التصدي الحقيقي والعملي للفساد على أنواعه.
إذاً، حكومة تتضمّن هذا العدد من الوزراء الفاعلين، وتتمتع بصلاحيات واسعة هي صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، والوسطيون فيها هم الأقوى والمرجِّحون للكفة، لماذا لا يستفيد منها الرئيس سلام وينهض بالبلد؟
يعلم الرئيس سلام أنه من غير الممكن أن يستقيل فلماذا يلوِّح بما هو غير قادر على القيام به؟
هل فقط من أجل إستيعاب السياسة والإقتصاد والبيئة؟
ألا يكفي البلد ما فيه من بلبلات؟
***
إنَّ أفضل شيء يمكن أن يقوم به دولته هو الآتي:
إدارة الأزمة بأقلِّ كلفةٍ ممكنة، في إنتظار ما يمكن أن يؤدي إلى إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية.
معالجة طارئة لأزمة النفايات، لأنَّ المعالجة الجذرية غير ممكنة في ظلِّ التجاذبات القائمة.
ترتيب الوضع الإداري للإدارات الرسمية، بالحدِّ الأدنى، لأنَّ لا إمكانية على الإطلاق لإجراء أيِّ إصلاحٍ إداري.
بهذا التواضع السياسي يمكن للرئيس تمام سلام أن يُكمِل مشواره في السراي لأنه غير قادر، لا أمس ولا اليوم ولا غداً، على القيام بخطوات كبيرة استراتيجية، فالزمن اليوم ليس زمن استراتيجيات بل زمن لملمة لكلِّ ما هو بالٍ ومهلهل.
***
نخشى أن نقول إننا نعيش في جمهورية الموت السريري، لكن الشعب ليس كذلك، هناك تباعد بين الشعب والحكومة، إذ لا يمكن التوفيق بين أمل الناس ويأس دولته.