إن أكثر الميزات سموّاً في السياسة أن يتّصف حزب ما بالوطنية والعمل لخير المصلحة العامة، ولا يكسب أي حزب هذه الميزة إلا بعد شهادة له من الشعب، مصدر السلطات، بأنه عمل جاهداً على تأمين ما يحتاجه هذا الشعب من أمن وأمان وسلام مروراً بأبسط متمّمات العيش الكريم. فهل ما أمّنه «حزب الله» من أدوية فاسدة وكابتاغون وسلاح غير شرعي وساحات قتال في الخارج وأموال وصواريخ إيرانية وتهديد للعيش المشترك يُكسِبه صفة الحزب العامل بحسب «الإرادة الحرة والاستشراف الوطني»؟
هذا ما يستنتجه عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي من المسيرة «المقاوِمة» لـ «حزب الله»، خصوصاً بعدما بذل الحزب شباب لبنان في سبيل إنقاذ بشّار الأسد الغارق بالدم والموت حتى أُذنيه. القرار يعود ل»المقاومة» في كل شيء، هذا ما يريد الموسوي إفهامه للشعب اللبناني، فـ«حزب الله» لا ينتظر أوامر من إيران ولا يخضع لسلطتها، إيران بالنسبة الى الحزب مجرّد مصدّر للسلاح، أي أنها تقدّم السلاح من دون مقابل ولا إخضاع. لو كان الأمر كذلك لما كان الحزب ليخوض حرب تمّوز ثم يصرّح: «لو كنتُ أعلم..» إذا كان الحزب لا يعلم فمن هو العالِم غير إيران؟
إذاً، ماذا ينفع «حزب الله» إذا خسر إيران وربح لبنان؟! وببساطة، وبحسب المثل اللبناني «مَن كان بيته من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة»، فمن سيقتنع بكلام الموسوي: «إننا نتخذ قراراتنا استناداً إلى إرادة حرة واستشراف وطني نقرر في ضوئهما الواجب والمهمة وننصرف إلى أدائهما«؟ فلا شكّ بأنه عندما ينادي الواجب الجهادي ينصرف الحزب مع بيئتة الحاضنة الى تلبية النداء، فالدول تدفع غالياً أثمان الأسلحة التي تشتريها من الدول المصنّعة إلا في لبنان فأثمان الصواريخ التي تطال «ما بعد بعد حيفا» لا تقدّر حتى بثمن الأرواح!
في المناسبة، فإن الهمس الإيراني بتقديم السلاح للدولة اللبنانية لمحاربة الإرهاب يندرج في الإطار عينه، ولن يكون مجدياً أبداً «تبييض» صفحات القتل والانقلابات، إن كانت إيران لن تنضم الى الدول التي ستحارب الإرهاب! كما أنه لا يجوز التنكر لـ«جميل» إيران التي تعلم ما يتمنّى الحزب أن يعرفه منذ ما بعد حرب تموز 2006.
وفي هذا الإطار يستعرض الموسوي الفرق بين قوى 8 آذار وقوى 14 آذار «التي تنتظر أن يأتيها الوحي على شكل مؤتمرات أو إشارات لتقرر لها أين يكون موقعها». فقد ذهبت تجربة «حزب الله» في السنوات الأربع الأخيرة سُدًى، بعدما عزل لبنان عن العالم وحصر مصيره بالنظام السوري، فشرّع حدوده وراح المسلّحون من الجهتين يدخلون ويخرجون على أرض سائبة، ولبنان بحسب التاريخ لم يكن يوماً موطئاً للإرهابيين فيما سوريا كانت كذلك. إن فريق 14 آذار لم يَقُد لبنان يوماً الى حرب أهلية أو إقليمية، ولم يضحِّ بشبابه في سبيل الديكتاتوريين، وهو لا ينتظر إشارة من أحد ليكون جزءاً من العالم، فهذا مكانه الطبيعي ودوره البديهي.
ويردّد الموسوي لازمة «حزب الله» التي باتت أشبه بالنشيد: «لو لم نقاتل التكفيريين مسبقاً لكان حصل في لبنان ما هو أسوأ مما حصل في سوريا والعراق الذي شهد تهجيراً للمسيحيين«. وبعد.. فإن اللعب على وتر المسيحيين، بعضهم، مستمرّ، وما الفرق بين المسيحي والسني والشيعي والدرزي إن كان الإرهاب يستهدف كل الطوائف؟ وإن كان الهدف جسّ النبض المسيحي في لبنان، فالمسيحيون لا يعتمدون على «حزب الله» لإنقاذهم بل على الدولة ويحرصون على عدم الانجرار الى الفتنة، وماذا كسب مسيحيو سوريا من بشّار الأسد الذي يدّعي حمايتهم؟ فقد استهدف تنظيم «داعش» منذ أقل من شهر 250 جندياً سورياً، غالبيتهم من المسيحيين، وقضى عليهم ولم يحرّك بشار الأسد ساكناً لإنقاذهم، حيث كان منشغلاً في قصف الإرهابيين على الحدود اللبنانية – السورية!
وفي حين كانت «النصيحة بجمل»، يبدو اليوم بأن «النصيحة بسلاح».. فقد دعا الموسوي «الفريق الآخر لإجراء مراجعة لتقديره ولموقفه السياسي، (..) وأن يحسم أمره في مواجهة المجموعات التكفيرية«. هذه الدعوة هي جزء من النشيد الذي نظمه الحزب في محاولة منه لإخضاع قوى 14 آذار، فهو لا يجد سبيلاً سوى إخافة اللبنانيين للضغط نفسياً ومعنوياً عليهم، كمن يقوم بإخافة طفل صغير بـ»أبو كيس». وما هو مصدر الإرهاب سوى السلاح غير الشرعي وأقبية الأنظمة الديكتاتورية؟ مَن عليه إذاً أن يراجع موقفه السياسي؟ ألم يَحِن الوقت بعد كي يحسم «حزب الله» أمره ويعترف بأنه لا جدوى من الخروج عن كنف الدولة؟