ليس في الإمكان كتمان الدهشة والاستغراب للفرحة الكبرى، والاحتفالات الصاخبة التي عمّت دول الغرب ترحيباً وتهليلاً بنتائج الانتخابات النيابية الأوكرانية، والتي اعتبرتها هذه الدول بمثابة انتصار تاريخي للغرب ضد الشرق. وتحديداً ضد الروسيا وقيصرها الذي قلّما يُشاهَد وهو يضحك، أو يبتسم على الأقل.
أمرٌ، قصّةٌ، حدَثٌ، شيء غريبٌ للغاية، يكاد لا يصدّقه الناس العاديون، ولا قرّاء الصحف ومتتبّعو الأخبار.
بل إن بعضهم وصَفَ ردّة فعل دول الغرب غير المسبوقة، و”غير المبرّرة” بالمُضحكة والمُثيرة للشفقة، مع سَيل من التساؤلات عن الأبعاد التي أعطتها هذه الدول لنتائج انتخابات نيابيّة في إحدى الدول الشرقيّة التي لا تستطيع أن تغادر أرضها المتاخمة للروسيا، ولا في مقدورها الاستغناء عن هذه الدولة العظمى التي نشأت أوكرانيا ومسلسل الدول الأخرى تحت جناحيها.
كما لو أن هذه الدول المُبتهجة تودُّ أن تبلّغ القيصر بوتين أنها تمكّنت منه أخيراً، وسجّلت “غولاً” في شباكه.
وبوتين يضحك في عبّه، ويضحك جيداً، كونه واثقاً كل الثقة، أن أوكرانيا لا ترغب في إدارة ظهرها لموسكو في مختلف الظروف، وليس في مقدورها مسايرة الغرب إلى أبعد من ذلك بخطوة ولو صغيرة.
صحيح أن الشعب الأوكراني ينشد تحرّراً واستقلالاً لبلده من كل نفوذ مباشر أو مُستتر، إلا أنه لن يغامر بإشهار العداء للروسيا إكراماً لرغبات غربيّة لا تفسير لها أو معنى.
لكنه الغرب الذي لم يتّعظ يوماً، ولم يَفِد من الدروس القاسية التي تلقّتها زعيمته الكبرى الولايات المتحدة الأميركيّة، والتي تقود اليوم من وراء الستارة هذه “الحرب الوهميّة” ضد الروسيا… وبواسطة حلفائها…
تأكيداً لذلك، نثبت هنا نماذج مختصرة لافتتاحيات صحف غربيّة ثلاث، تفسّر الكثير من مضمون الحملة العدائيّة على روسيا فلاديمير بوتين:
أكدت “الغارديان” أن “الانتخابات الأوكرانية ثبّتت التوجهات الموالية للغرب، وحملت إلى الحكم مجموعة كبيرة من القوى التي كانت وراء ثورة الميدان. لقد انطفأت جميع الأحزاب الموالية للروس، وتضاءل نفوذ الأوليغارشيّة”.
أما “النيويورك تايمس”، فقد ذهبت بعيداً في احتفالها بفوز “القوى الموالية للغرب في الانتخابات الأوكرانية”، مشيرة إلى أن هذا الفوز “كان محسوماً” وكانت دول الغرب تتوقّعه.
وحدها “ليبراسيون” تساهلت غربيّاً، وأهدت الفوز إلى الحزبين الأساسيّين المواليَين للغرب، واعتبارهما “باتا قادرَين على تشكيل ائتلاف حكومي”…
مرة أخرى نعود لنعطي ذلك اللورد البريطاني كل الحقّ، حين قال: “الغرب غرب والشرق شرق، ولن يلتقيا”.