مطلع شهر حزيران المنصرم تبلغ وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق رسالة «قاسية» من المملكة العربية السعودية اثر خروجه عن «النص» وانتقاده سياسة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، كانت بمثابة انذار لكافة قيادات المستقبل ودعوة صريحة لها للعودة الى «مدرسة» الواقع والابتعاد عن الاجتهاد خارج النص، «صوت العقل» في هذه المرحلة لا يجدي نفعا ومن يحضر سوق «المزايدة» «باع واشترى» ومن بقي خارجه يعرض للبيع والشراء…
هذه الخلاصة تفسر جزءا من «الدوز» المرتفع لتصريحات وزير الداخلية نهاد المشنوق تجاه حزب الله من «بوابة» «سرايا المقاومة» او من خلال التقليل من شأن نتائج الحوار الثنائي، ترجم ذلك سلبية غير معهودة في جلسة الحوار الاخيرة مع حزب الله في عين التينة، وهذا ما يطرح سؤالا ملحا عن الاسباب الحقيقية للتصعيد من قبل تيارالمستقبل؟
اوساط سياسية رفيعة في 8آذار تشير الى ان الرئيس فؤاد السنيورة لا يزال يتقدم باشواط على جميع اقرانه داخل التيار في السباق الى نيل الرضى السعودي، لم يرتكب اي هفوات «قاتلة» وبقي وفيا للسقف السعودي التصاعدي مع حزب الله، كما لم يترك يوما فرصة للتخريب على اي تفاهم ممكن على المستوى الداخلي، حتى لو تطلب الامر اصابة العلاقة بين الرئيس الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري ببعض «الشظايا» غير القاتلة، لكن المفيدة في «فرملة» اي اندفاعة قد تساعد على عقد «التسويات»..
وفي هذا السياق تؤكد تلك الاوساط، ان الجميع معني في البقاء في هذا السباق خصوصا ان الرئيس الحريري لم يستعد بعد حظوته في السعودية، وما يزال معلقا بين «الارض والسماء» دون بروز اي بارقة امل جدية تخوله عقد صفقة داخلية تعيده الى رئاسة الحكومة، وهذا ما يشجع من حوله لاسترضاء السعوديين عبر رفع «العصا الغليظة» في وجه حزب الله، في سياق مزايدة داخلية داخل «البيت الازرق» دون ان يكون للامر اي ترجمة عملية على ارض الواقع، فقيادات المستقبل تعرف جيدا السقوف التي لا تستطيع تجاوزها في الوقت الراهن، وتدرك جيدا ان المس بالاستقرار الامني دونه عقبات كثيرة وخطيرة، اولا لن يسمح حلفاء التيار الاقليميين والدوليين بذلك، كما ان الوضع الداخلي «المهزوز» لا يسمح بترف الدخول في تحد جدي عنوانه فتح ملف «سرايا المقاومة» او غيرها من الملفات الاشكالية التي يتفق الجميع ضمنيا على عدم اثارتها في هذا التوقيت الدقيق..
وتلفت تلك الاوساط الى ان تيار المستقبل تبلغ من السعوديين والاميركيين على حد سواء ان ملف الازمة اللبنانية لن يتحرك قبل الاستحقاق الرئاسي الاميركي وتبلور السياسة الخارجية الاميركية الجديدة حيال المنطقة، ولذلك تعمد قيادة «التيار الازرق» على استغلال المرحلة الانتقالية في اعادة تنظيم الصفوف «المبعثرة»، هذا الانكفاء الداخلي يحتاج الى ادوات لاعادة «شد العصب» المذهبي والحزبي ولا يمكن ان يتم هذا الامر الا من خلال ابتكار معركة «دونكوشوتية» مع حزب الله، وحدها كفيلة باخراج الجمهور والقيادات الوسطى والصغيرة من حالة الاحباط..
لذلك فثمة محاولة تقوم بها قيادة المستقبل لتحلل من «الاستنتاجات» الخاطئة التي تحدثت عن تسوية قريبة تؤدي الى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا، الجميع يريد «غسل يديه» من المبادرة التي اضطر الرئيس الحريري الى التبرؤ منها بعد ان اخفق في الحصول على مباركة سعودية تفضي الى رفع الفيتو عن «الجنرال»، لا احد يريد ان يدفع الثمن مرة اخرى، بل يتبارون لتقديم انفسهم راس حربة في مواجهة حزب الله والسيد نصرالله، ويذكر وزير الداخلية في مجالسه ما حصل مع رئيس حكومة سابق حين تولى رئاسة الحكومة حينها لم تستقبله السعودية بصفة رسمية مطلقا، باستثناء مناسبة عزاء ويتذكر أن الرئيس ميقاتي كان يذهب لاداء مناسك العمرة أسبوعيا أملا في استقبال رسمي لم يحصل عليه، وعندما قابله الأمير مقرن بن عبدالعزيز بصفة شخصية، وقال له حرفيا هناك مؤامرة واضحة في لبنان لتعطيل المحكمة الدولية عبر إيقاف تمويلها، والملك عبدالله يبلغك بوضوح أنك لن تنال «رضاه» من دون حماية المحكمة عاد رئيس الحكومة السابق إلى بيروت ومول المحكمة الدولية عبر صيغة ملتبسة مع المصارف، ومع ذلك لم يستقبله الملك عبدالله..
هكذا تخاض داخل تيار المستقبل مواجهة متعددة الاوجه، الكل يطمع في لقب «البديل» اذا استعصت عودة «الاصيل»، فيما تدور مواجهة جدية ايضا مع وزير العدل المستقيل اشرف ريفي ومن اولويات «القيادة الزرقاء» تجنيد «صقورها» لاسترجاع ما استحوذ عليه الوزير «المنشق» من جمهور «يطرب» عند الاستماع لاصوات التطرف، ولذلك ينافس الجميع وزير العدل في «ملعبه» حتى لو اضطروا الى المس بالحوار الثنائي مع الحزب..
لكن هذه المعركة تبقى دون فعالية لان «التيار الازرق» لايملك ترف الذهاب بعيدا في تحدي طروحات «الوزير المنشق»، فهو غير قادر على نسف الحوار الثنائي مع الحزب وسيكون الحضور مكتملا في الجولة المقبلة، ولا يسع «المستقبل» الاستقالة من الحكومة، قدره البقاء والاستمرار في تسيير عجلة الاستقرار في حكومة يرى وزير العدل السابق انها تغطي سياسيا تصرفات حزب الله على الساحة الداخلية وفي سوريا..
تيار «المستقبل» غير قادر على اجتراح الحلول للمشاكل العالقة، وغير قادر في الوقت نفسه على خوض مواجهة مفتوحة ودون سقوف مع حزب الله، يخوض مسؤوليه حروبا صغيرة تتناسب مع احجامهم الداخلية والاقليمية، ولذلك لا يبدو حزب الله قلقا من هذا التصعيد الذي يبقى «زوبعة في فنجان» المزايدات الداخلية، وجزء من معارك هامشية في «الزواريب الضيقة»، فيما تغلي المنطقة على صفيح ساخن ويحاول الحزب حجز مكان للبنان على «الطاولة» مع «الكبار» ليجنب البلاد دفع ثمن تفاهمات وتسويات كبرى بدات تطل «برأسها».