همس في الشارع لماذا لا يتدخل حزب الله؟
خلية الأزمة أسئلة مشروعة ومراجعة لا بدّ منها؟!
من بين التعليقات، التي شاعت بقوة، في معرض الآراء التي انبثقت عن النّاس العاديين، قبل القيادات والشخصيات المعنية، غداة «الفعل الإجرامي» الذي أقدمت عليه «جبهة النصرة» المرتبطة قيادتها في سوريا وجبال القلمون، بقيادة القاعدة، التي يقف على رأسها ايمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن، والمتمثل بقتل الدركي علي البزال (والذي وصل إلى رتبة عريف، على أن يرقى بعد استشهاده) لماذا لا يتدخل حزب الله، ويعيد الأسرى من جنود ورجال أمن داخلي، كما فعل، عندما مارس ما لديه من أوراق قوة (احتجاز مقاتلين من المعارضة) وعلاقات مع النظام السوري، ودربة مشهود له فيها بالتفاوض لاستعادة أسراه في السجون الإسرائيلية، وآخرها سمير القنطار، الذي كلفت حريته حرب تموز عام 2006؟
وتبلغ التعليقات مدى أبعد، عندما يتحوّل التساؤل إلى فعل عتب على الحزب، الذي لا يفعل شيئاً لإعادة العسكريين الأسرى والمهددين بالقتل.
في النقاشات العادية، يرد آخر، الموضوع مختلف، والحزب استعاد أسيره، الذي هو مقاتل، وهو يتصرف بعيداً عن الدولة، وعملها. لكن أمر العسكريين يتعلق بمؤسسات عسكرية وأمنية، تخضع لسلطة الدولة، ممثلة بهذه المؤسسات والحكومة، ولا تخضع، لأي اعتبارات أخرى.
وبصرف النظر عن هكذا نوع من النقاشات، وارتداداته، فان قتل البزال، وقبله حمية، والسيّد، وجندي آخر، طرح جملة من المسائل المشروعة، والصعبة في آن واحد:
1 – كيف تستخدم خلية الأزمة اوراقها في مواجهة إصرار الخاطفين على الابتزاز والضغط؟
2 – كيف تردّ خلية الأزمة، على الجهات الخاطفة، التي تقتل عندما تهدّد؟ والسؤال هل بإمكان الدولة أن تفعل عندما تهدّد؟ وهل بالإمكان أيضاً الذهاب إلى معادلة حمورابي الثابتة: العين بالعين، والسن بالسن، والبادئ أظلم؟ واستطراداً هل بإمكان القضاء اللبناني ان يرفع إلى السلطات الرسمية طلباً بتنفيذ أحكام الاعدام التي أصدرها، حتى يعرف الخاطفون أن «الله حق» كما يقال!
3 – والأهم: هل اقتنعت «الخلية الرسمية» أن المقاربة التي حصلت في الأشهر الماضية، منذ 2 آب، تاريخ معركة عرسال الأولى، والتي حصلت فيه عملية الخطف، لجهة الأوراق الدبلوماسية، وتمرير الغذاء والدواء، والممر الآمن، وما شابه، لم تعد تكفي، لأن الاستجداء بمثل هذه الحالة، يحوّل أوراق القوة إلى نقاط ضعف، ويجعل الجهات الخاطفة اكثر قدرة على إدارة ملف التفاوض، من التلاعب بالأعصاب، إلى إعلان الحرب، على طريقة علي وعلى أعدائي يا ربّ؟!
4 – جاءت عملية القبض على امرأتين اثنتين إحداهما مطلقة أبو بكر البغدادي (زعيم داعش وأميرها الأوّل على أرض سيطرتها الممتدة من الموصل إلى الرقة، فبعض أنحاء سوريا إلى القلمون، والأخرى زوجة «أبو علي الشيشاني»، وهو أحد أمراء النصرة في جرود عرسال وجبال القلمون، لتحسن أوراق القوة بيد المفاوض اللبناني، فإذا بقتل الدركي البزال، يحرج الموقف الرسمي، ويحوّله إلى «شاهد على الصدمة» لا حول له ولا قوة.. والسؤال: كيف تردّ خلية الأزمة، على الأزمة الجديدة، هل بمحاولة ضبط الشارع، أم الانتقال إلى عمل ملموس، يجبر الخاطفين، على العدّ إلى العشرة، قبل ارتكاب حماقات جديدة؟
5 – ليس بإمكان «الموقف الرسمي» أن يبقى في «برج عاجي»، يتفاعل من بعيد مع تحركات أهالي العسكريين المخطوفين، في الشارع، فلا بدّ من أن يعلن بما لا يقبل الشك أن «الورقة التفاوضية» من دون إجراءات على الأرض باتت بلا جدوى.. فهل يمكن الاستمرار بتلقي الضربات، والعزف على «وتر السرية»، وإجراء الاتصالات، أم لا بدّ من خطوة صدمة، ليس لأهالي العسكريين، بل للجماعات الخاطفة؟
أعلنت «النصرة»، بعد «داعش»، أن الأولوية لاطلاق «الإمرأتين» والأطفال، قبل البحث بأي أمر آخر، واعتبرت «النصرة» في بيان اعدام البزال أن هذا أبسط ردّ يمكن ان يحدث إزاء احتجاز سجى الدليمي، وزوجة الشيشاني، فما هو الرد الأبسط الذي يمكن «لحكومة المصلحة الوطنية» أن تردّ به على القتل: هل وقف التفاوض؟ هل تنفيذ أحكام إعدام؟ هل إعادة تكليف اللواء عباس إبراهيم وتجديد الثقة به، وكذلك قبول دور وزير الصحة وائل أبو فاعور بالتواصل مع «النصرة» مباشرة او بالواسطة؟
في عملية بالغة الصعوبة والتعقيد، لا يصح أن يمضي المراقبون أو المتابعون، أو حتى أهالي العسكريين، في لعبة «الحرب بالنظارات من بعيد»، فلا بدّ من إدارة للمفاوضات، تأخذ بالحسبان، صعوبات ومخاطر القرارات، وأن تشكّل عزيمة الإقدام واحدة من متغيرات «الفعل الرسمي» عسكرياً ورسمياً، وتفاوضياً؟!
ولكن بأي اتجاه؟ ببساطة، باتجاه الرد على الفعل بالفعل، والتلويح بأن التفاوض، إذا لم يكن الطريق إلى استعادة الجنود والدرك، فلا بدّ من إعادة النظر بهذا الخيار..
قد تكون المعطيات، لدى المفاوض اللبناني مختلفة، عمّا توفره «المعلومات الخاصة» أو ما يطفو على سطح الإعلام المرئي والمسموع، وحتى المكتوب، والتواصلي من معلومات، لكن إمعان الخاطفين بالقتل، أو بالتلويح بالقتل، لا يواجه بالترجي أو «الاستجداء»، فلا بد من موقف وليكن بخطوات ملموسة، أو وقف التفاوض رسمياً، وإعلان الوسطاء ان لبنان ليس بمقدوره أن يقبل ما يحدث لجنوده ومواطنيه، وأن الحكومة اللبنانية، التي قبلت بالتفاوض، من الواسطة الى المباشر، ليست على استعداد لقبول منطق الإذعان للخاطفين.
يتابع حزب الله، وفقاً لما سبق لأمينه العام السيّد حسن نصرالله أن أعلنه عشية ذكرى عاشوراء في قضية المخطوفين العسكريين، لكنه يعمل بما لا يحرج الدولة، وبما يفيد القضية، لكنه ليس هو الجهة المخولة بإدارة الملف، فهو جهة حزبية، وليس جهة رسمية، وإن كان مشاركاً في الحكومة التي منها انبثقت خلية إدارة الأزمة.
وفي المعلومات أن الجيش، بالتنسيق مع القوى العسكرية والأمنية في البقاع، تمكن من احتواء التصعيد بين قرى البزالية واللبوة وعرسال من دون أن يغفل عن دعوة الدولة إلى الحسم على لسان السيّد إبراهيم أمين السيّد، وهو يقدّم العزاء لعائلة البزال.
حراجة الموقف، لا تمنع الاهتداء بمضمون ما قاله المتنبي، الشاعر الطموح:
«إذا لم يكن من الموت بدّ
فمن العار أن تموت جباناً؟!