بعد الأسماء، يأتي دور اللوائح، ومعها ترتفع حمى الحملات، والتي يبدو انها ستكون جارحة في بعض الدوائر الأساسية، وبسلاح التجريح المذهبي الأبيض، لا لغرض اثارة النعرات، أبدا، انما لاثبات قابلية بعض المرشحين للتحوّل، التزاما بموجبات المصلحة الشخصية.
وتكثر هذه الحالات في أوساط المرشحين السنّة، وفي ظروف عائلية معيّنة، ما يجعلهم هدفا لنبال المنافسين، ممن لم تلفحهم ظروف حُنين، الذي ما زاد في الاسلام خردلة، ولا النصارى بحاجة لحنين… كما يقول الشاعر.
وسياسة ضرب الشعبية من القواعد التقليدية في المعارك الانتخابية، مع فارق، انه فيما مضى كانت هناك اعتبارات وقيم وحدود، أما اليوم، فان مواقع التواصل الاجتماعي، أفلتت الحبل على الغارب، لا حدود ولا سدود، بل كل ما يعرف يُقال، وما لا يعرف يمكن فبركته اذا لزم الأمر.
وسيكون التركيز على عنصر المال، ويبدو ان البورصة فتحت أبوابها منذ بضعة أيام، وبدأ حجز الأسهم بالأحرف الأولى، ريثما تتوضح حركة الأسواق.
ويقول أحد المفاتيح الانتخابية العريقين: مع غياب البرامج السياسية والتنموية الواضحة والجلية للمرشحين، وأمام قانون القاطرة حيث تختار من المرشحين واحدا، بالصيغة التفضيلية، وهو يختار الباقين عنك تلقائيا، بلا رأي لك بها ولا شور، بات يرى غالب الناخبين ان نظام السوق السائد هو الأسرع مربحية.
وما يزيد الطين بلّة، أن طبيعة القانون الجديد تجعل من رفاق اللائحة، هم المتنافسون الفعليون، فيما بينهم، أكثر مما هم منافسون للآخرين.
لا بل أكثر، فلوثة السياسية بمضمونها السوقي الرائج، أطاحت، بكل ما كان من مفاهيم تربوية وعائلية مرتبطة بالقيم، بحيث بتنا امام حالات شاذة وغير مسبوقة، الإبن بوجه أبيه والصهر بوجه حميه، والحبل على الجرار.
هذه المناخات الإنتخابية المستجدّة على الحياة السياسية في لبنان يردها كتاب للكندي – الفرنسي آلان دوند الى فلسفة التكنوقراط في الحكم، التي استبدلت المفاهيم السياسية التقليدية، مع ما فيها من مبادئ وقيم بمفهوم الحوكمة، والإرادة الشعبية، بالمقبولية المجتمعية والمواطن، بمقولة الشريك، وبالتالي صار الشأن العام تغنية إدارة لا منظومة قيم ومثل ومبادئ، ومفاهيم عليا، وصارت الدولة بمثابة شركة خاصة، والمصلحة العامة مفهوماً مغلوطاً لمجموع المصالح الخاصة للأفراد. وصار السياسي مجرّد ناشط ضمن لوبي لمصلحة جماعته وتحوّلت قاعدة النجاح، الى صفقة رابحة ولم يعد الأمر شأناً وطنياً او إنسانياً.
الواقع ان المناخات الإنتخابية السائدة منذ إقرار القانون الجديد، أظهرت غياب مفردات كانت لصيقة بالشعارات الإنتخابية تقليدياً، ك الزعيم الوطني والمحسن الكبير ورائد الإصلاح وعميد التغيير، وغيرها وغيرها…
اليوم رُفعت الكلفة، وبات الزعماء يسمون بأسمائهم دون أوصاف، لقد مضى الزمن الذي كانوا يحجمون عن إظهار الحقيقة عارية، فيلبسونها قميصاً، أما الآن، فالحاضر لا ينشكر…