IMLebanon

«ثورة البيت الأبيض».. لا تسري على «ثوار المنطقة»

لبنان الغائب عن «الأجندة» الأميركية مُحصَّن بالاستقرار

«ثورة البيت الأبيض».. لا تسري على «ثوار المنطقة»

ما حصل في انتخابات الرئاسة الأميركية هو انقلاب سياسي، من وجهة نظر معظم أهل السياسة والصحافة في لبنان. نام اللبنانيون على أرقام استطلاعات رأي اعطت هيلاري كلينتون فرصة هزيمة خصمها الجمهوري في «ماراتون الأقوياء» الممتد من قصر بعبدا الى البيت الأبيض، واستفاق من هدأت جفونه على خبر فوز دونالد ترامب الرئيس الأكثر اثارة للجدل في سجل الرؤساء الخمسة والأربعين الذين توالوا على البيت الأبيض.

في نيسان 1945، عاش الأميركيون التجربة ذاتها. يومها استبقت الصحف المحلية النتائج النهائية وخاطرت بإعلان سقوط هاري ترومان، واذ بالصناديق تعطيه صباحاً مجد رئاسة بلاد «العمّ سام».

اليوم، المسألة تتخطى صدمة النتائج غير المتوقعة، الى مغزى أن يأتي رئيس «متفلت وغير منضبط»، كما يصفه إعلام بلاده، قّدم نفسه بوصفه «الثائر» على أسلافه و «الرافض» لأدائهم.

من وجهة نظر أحد الأكاديميين اللبنانيين المتخصصين «لا بد من التوقف أولا عند طبيعة الصراع الانتخابي، كونه تناول بشكل خاص طبيعة أميركا: بيضاء أم ملونة؟ وهذه من المرات النادرة التي تتجاوز فيها الحملات الانتخابية القضايا الاجتماعية – الاقتصادية الى مسائل جوهرية تتصل بعمق الهوية الأميركية».

من هذه الزاوية، تمكن ترامب من رفع نسبة الاقتراع بشكل قياسي لا سيما لدى الرجال البيض كمؤشر على نقمة الناخبين الأميركيين، ليحصد انتصاراً، كان أشبه بحلم مستحيل، حتى بالنسبة لماكينته الانتخابية التي بدت في لحظة من اللحظات تتساءل عن جدوى الاستمرار في معركة غير متكافئة، تخلى فيها بعض قيادات الحزب الجمهوري عن مرشحهم.

ولهذا يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان إننا قد نشهد على اعادة تموضع الولايات المتحدة ثقافياً وحضارياً واجتماعياً من خلال تسييجها بـ «سور عظيم»، وفق تصريحات ترامب العنصرية الذي وعد ناخبيه بأنه سيعيد بلاده دولة عظيمة بعد تراجع دورها، مع أنه لم يفصح كيف!

تتقاطع قراءة خشان مع رأي لأحد الديبلوماسيين اللبنانيين المخضرمين يقول إن ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية عما يرفضه وسيمتنع عن القيام به، لكنه عملياً لم يكشف عما سيفعله، ولم يقدم أية رؤية أو مشروعاً متكاملاً. أعلن إنه يرفض الاتفاق النووي لكنه لم يفصح عن البدائل، وهذا الهامش يتيح له القيام بالشيء ونقيضه.

ماذا عن تداعيات الانقلاب الأميركي تجاه المنطقة ولبنان؟

يعتبر الديبلوماسي ذاته أنّ أهم ما يُقال في الرئيس المنتخب هو أنّه يصعب التكهّن بتصرفاته، ويمكن بالتالي طرح كل الاحتمالات والسيناريوهات لكيفية ممارسته السلطة واتخاذ القرارات. ولكن ما صار واضحاً وفقاً لما أعلنه خلال حملته الانتخابية أنّ عدوه الأبرز هو الإرهاب، ويمكن على هذا الأساس أن تتقاطع مصلحة بلاده مع أي طرف آخر ومنهم الرئيس بشار الأسد، وهذا الأمر يثير ريبة السعوديين.

بالنسبة للديبلوماسي اللبناني، لا مكان للتغيرات الجذرية في منطقة الشرق الأوسط على الأجندة «الترامبية». بالأساس، هيلاري كلينتون لم تكن آراؤها مختلفة عن أراء الجمهوريين في ما خصّ هذا الملف، وما كان التدخل العسكري الروسي في سوريا ليحصل الا بالتنسيق مع الادارة الأميركية.

ولهذا من غير المتوقع أن يكون للرئيس الجديد موقف معاكس خصوصاً وأنّه أوضح خلال حملته الانتخابية أنه ليس بوارد ارسال جنوده لمزيد من التورط العسكري في المنطقة، ما يعني تمسكه بالسياسة القائمة في سوريا وعدم الانقلاب عليها. وبالعكس تماماً، فإن كلينتون هي التي بدت أكثر حماسة لمزيد من التدخل في سوريا، على عكس ترامب الذي ابدى استعداده للتعاون مع الجميع لضرب «داعش»، هدفه الأوحد في المنطقة.

أما لبنان الذي غاب كلياً عن المناظرات الرئاسية كما عن البرامج الانتخابية واهتمامات الناخبين، فلا يعني المرشحين الا من باب حفظ الاستقرار الداخلي تقليلاً لـ «وجع الرأس» لا أكثر.

يجزم الديبلوماسي ذاته أنّ المناخ الخارجي الذي أتى بميشال عون رئيساً مرشح للاستمرار في عهد ترامب، خصوصاً وأنّ للاعبين الكبار مشاغل أكثر أهمية من الوضع اللبناني، فيما السعودية تغرق في حروبها المحيطة بحدودها، ولا مصلحة لها بمزيد من النيران من حولها.

وعما اذا كان تهديد ترامب بنسف الاتفاق النووي قد يؤدي الى تحمية الملف اللبناني، يجيب هلال خشان: كلام الحملات الانتخابية ستمحوه قريباً الواقعية السياسية.