Site icon IMLebanon

الورقة البيضاء حقّ أمّ مُناورة؟

 

 

ينعقد المجلس النيابي اليوم، في جلسة مُكرّرة، لانتخاب رئيس عتيد للجمهورية.

 

وفي كلّ مرّة سابقة، كانت فخامة الورقة البيضاء تحصد أكبر عدد من الأصوات، يليها المرشّح السيادي النائب ميشال معوّض، وبعده بقية المرشّحين.

 

تكثُر الأسئلة عن الهدف من الإنتخاب بورقة بيضاء،هل يُعبّر ذلك عن احتجاج؟ وفي وجه مَن؟ هل يُعبّر ذلك عن موقف؟ وفي حّق مَن؟ هل يُعتبر ذلك مُناورة؟ وفي مُقابل مَن؟

 

ظهر أسلوب التصويت بالأوراق البيض كَشكلٍ إعتراضي في القرن التاسع عشر. حيث بَلَغَت مثلاً نِسَب الأوراق البيض في انتخابات عام /1881/ الفرنيسة، 20 في المئة في بعض الأقاليم الفرنسية، حيث جاء هذا التصويت كأسلوب إعتراضي في وجه المُرشّحين.

 

ولم يقتصر هذا التعبير على القارة العجوز، إنما تخطّاها إلى الولايات المُتّحدة الأميركية، حيث بلغ عدد الأوراق البيض والمُلغاة في إنتخابات «عُمدة بوستِن» عام /1975/ الـ 10 آلاف صوت، وكان ذلك كموقف إعتراضي على الفساد المُستشري في الولاية، وعدم إقتناع الناخبين بالمُرشّحين البدائل.

 

ولم ينحصر هذا الأداء بانتخابات محلّية أم مركزية، إنما شهدت إنتخابات «الأرجنتين» النيابية عام/2001/ نسبة أوراق بيض ناهزت الـ 21 في المئة من إجمالي المُقترعين، في ردٍّ واضح على الركود الإقتصادي الذي شهدته البلاد.

 

وأيضاً، إنتخابات «كولومبيا» الرئاسية عام /2014/ تجاوزت فيها نسبة الأوراق البيض الـ 30 في المئة ويزيد، من إجمالي أصوات المُقترعين.

 

وفي الإجمال، شكّلت الورقة البيضاء ومنذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم (علماً، أنّ «إسبانيا» تشهد راهناً حركة مُنظّمة لتشريع التصويت بالورقة البيضاء، وضرورة احتسابها) مظهراً إعتراضياً، ودلالةً على عدم الإقتناع بالمرشّحين والبرامج.

 

مع الإشارة، إلى أنّ أسلوب التصويت بورقة بيضاء راج بقوّة. خصوصاً، في الدول الديموقراطية التي تحترم أنظمتها حرّية الرأي والشفافية والنزاهة الإنتخابية. بينما نرى في الدول الأُخرى النامية، إعتماد الناخب خيار المُقاطعة، وهذا خيار خاطئ لا يُمكن أن يفي بالغَرَض، ولا يوصل الرسالة.

 

هذا في العالم، أمّا في لبنان، دَرَجَ الساسة لدينا، على استيراد الوسائل والأساليب من الخارج، حيث يُعيدون تصنيعها لتُصبح مُتلائمة مع مُتطلّبات سياساتهم وأهدافهم.

 

فاعتمدوا الورقة البيضاء في اقتراعهم. لكن ليس كَموقف اعتراضي على المرشّحين والبرامج، إنما كاستراتيجية خبيثة، من قِبل فريق، لِرّص صفوفه في وجه خصومه. ومن قٍبل فريق ثانٍ، لابتزاز حلفائه، لدفعهم إلى تسميته.

 

فاعتمادهم الورقة البيضاء، هدفه تعبيد الطريق أمام مُرشّحهم المُضمَر، ونزع الألغام من أمامه، لتأمين وصوله إلى قصر بعبدا. فهذه المُمارسة الديموقراطية بالاقتراع بورقة بيضاء، وُجِدت للتعبير عن موقف أو اعتراضاً أو احتجاجاً على نهج أم ممارسة، ولم تُعتمَد حتى نُناور بها بهدف الإنقضاض على الخصوم في السياسة من جهة، ومن جهة أُخرى لابتزاز الحلفاء.

 

مما يقتضي معه، الإبتعاد عن اعتماد هذا الأسلوب الماكِر، والتوجُّه مُباشرةً إلى المجلس النيابي، باقتراع سليم وانتخاب صريح، ولنُسلِّم جميعاً باللُعبة الديموقراطية. فأساليب المراوغة لن تُجدي نفعاً، والانتخاب بورقة بيضاء لن يُنتِج رئيساً، والانسحاب المُمَنهَج من جلسات الانتخاب، بقصد إفقاد النِصاب، لن يشكّل خلاصاً.

 

واعلموا أنّ استمراركم في هذا النهج، سيدفع بالبلاد والعباد إلى الهلاك. فلا خلاص للبنان إلاّ بالاحتكام إلى اللعبة الديموقراطية وصندوقة الاقتراع. وانّ غدًا لِناظره قريب.