قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، لا يبدو الرئيس نبيه بري أو التيار الوطني الحر في وارد التراجع عن مواقفهما المتناقضة. لا بل إن أزمة مرسوم الترقية قد تشكل لكليهما فرصة التحرر من عبء التحالف الانتخابي
كُتب ويُكتب الكثير عن علاقة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن المرجح أن تظل الكتابة عنهما قائمة مهما كان مصير مرسوم الأقدمية، من الآن وحتى حصول الانتخابات النيابية وما بعدها.
فالانتخابات ركن أساسي في مقاربة هذه العلاقة، منذ انتخابات عام 2005 وانتخابات عام 2009، وصولاً إلى موقف عون من التمديدين للمجلس النيابي اللذين مهّد لهما بري. وهي اليوم أيضاً ستكون مفصلية في علاقة الطرفين، بعدما بدا أن التحالف الخماسي ماشٍ على قدم وساق بين المجموعات الحاكمة والمنضوية تحت سقف الحكومة، ما عدا القوات اللبنانية. لكن أزمة المرسوم، بعد أزمة السعودية، «أنقذت» في مكان ما بري من هذا التحالف في أكثر من دائرة. وكذلك بررت للتيار الوطني الحر كل خلافاته التقليدية مع بري وحررته من ثقل هذه العلاقة الانتخابية التي لم ينسَ الطرفان بعد تداعياتها، ليس في جزين فحسب.
لا يمكن التعامل مع خلاف بري وعون من دون الأخذ بالاعتبار الأوراق البيض التي وضعتها كتلة الرئيس نبيه بري في صندوق الاقتراع، في جلسة انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
من قال إن حلفاء بري لن يبنوا أيضاً تحالفاتهم معه بمعزل عن التيار في أكثر من دائرة؟
لا يزال الطرفان يتعاملان معها في بواطنهما. والتيار بوصفه حزب العهد، لا يريد القفز فوقها إلا من خلال تأكيد أحقيته في ممارسة السلطة التي وصل إليها، من منظاره، متحرراً من عبء التحالف المفروض عليه، بصفته حليف حزب الله. وبري يتعامل مع التيار والعهد، بصفته مالكاً لورقة الاعتراض في وجههما. فهو ليس حزب الله ليدوّر الزوايا في أوضاع إقليمية وداخلية حرجة، وبالتأكيد ليس الرئيس سعد الحريري ليكون مديناً لعون في بقائه رئيساً. والأوراق البيض التي وضعها في صندوق الاقتراع، هي نفسها التي تحكمت بإدارته لعبة التفاوض في تشكيل الحكومة، وهي التي يريد مضاعفتها في الانتخابات النيابية.
تشكل الانتخابات النيابية صلب المشكلة بين عون وبري. هناك شعور لدى العونيين بأن رئيس المجلس النيابي وقف لهم بالمرصاد في أكثر من نقطة لها علاقة بالانتخابات، بدءاً من قانون الانتخاب الذي واجههم فيه، وفرض عليهم إيقاعه حتى تمكن من تمريره. والأدهى أنه استعان بالقوات اللبنانية ونائبها جورج عدوان، للقفز فوق التيار الوطني الحر، لتسويق قانون لم يكن الأخير راضياً عنه وعن تفاصيل كثيرة فيه.
ظل بري معارضاً لكل ما طرحه التيار الوطني الحر في شأن ما يعتبره التيار إصلاحات يريد إدخالها على القانون، فلم يمرر التسجيل المسبق، ولا تمديد مهلة تسجيل المغتربين. وما حصل أمس حول البطاقة الممغنطة ومراكز الاقتراع دليل إضافي على أن لبري أوراقاً كثيرة في يده انتخابياً.
لم يطو ملف الانتخابات قانوناً وإصلاحات، في مرحلته الأولى، حتى جاءت أزمة الحريري، فأعطى التيار الوطني لنفسه حق الأفضلية في إنقاذ الحكومة، وعلى هذا الأساس اعتبر أنه قادر على تمرير مرسوم الأقدمية. ردّ فعل بري ضاعف نقمة العونيين عليه، وظهر وكأن التيار الوطني، متكئاً على العهد، غير معنيّ تماماً بتأثير هذا الخلاف على الانتخابات. ردود الفعل المباشرة على رئيس المجلس صبّت في خانة واحدة: التيار قادر على تأمين مصالحه الانتخابية، بمعزل عن بري، بوصفه أولاً وآخراً حزب السلطة، باعتماده على حزب الله والمستقبل.
كما لا يظهر التيار أنه معنيّ بردود فعل جزء من كوادره على تزكية أسماء مرشحين حلفاء على حساب العونيين، فإنه أيضاً بدأ يشعر بأن تجربة جزين عام 2009 يمكن أن تتكرر مع بري، خصوصاً أن العونيين يشعرون بأن رئيس حركة أمل، «بحكم التجربة، لن يحلب معهم صافياً»، مهما كان شكل التحالف ومصير الاشتباك السياسي الأخير. علماً أن ثمة من يعتقد أن الاحتكاك المباشر بين التيار وقاعدة بري لا يتعدى في أقصى أحواله جزين والبقاع الغربي وجبيل، في حين أن الدوائر الأخرى التي للتيار تماسّ مباشر مع القواعد الشيعية فيها محسوبة على حزب الله. هذا لا يعني أن قواعد بري في البقاع الشمالي أو بعبدا أو بيروت، غير مؤثرة، إلا أن ثمة حسابات انتخابية تتعلق بدوائر حساسة يعتقد من في التيار أنهم قادرون على خوض الانتخابات فيها من دون بري، «ولو أن الثقل الشعبي التقليدي للشيعة مثلاً في دوائر الشمال يتألف من الموالين لرئيس المجلس». في الأسابيع المقبلة ستكون الانتخابات الحد الفاصل بين العهد والتيار، وبين بري. فالأخير قادر على مضاعفة أوراقه البيض الاعتراضية، ومعه أسلحة كثيرة، منها التحالفات. فمن قال إن حلفاء بري، وهم كثر، لن يبنوا أيضاً تحالفاتهم معه بمعزل عن التيار في أكثر من دائرة؟ إلا إذا كان لحزب الله رأي آخر. ومن قال إن بري ليس واثقاً من أن نتائج الانتخابات لن تغير في واقع الأمر شيئاً؟ لأن حكومة العهد الثانية ستكون كالأولى، له كلمة الفصل في تشكيلها وضم حلفائه إليها، وفي استعادة وزارة المال من دون أي نقاش.
في عام 2009 كان طموح بعض القوى في 14 آذار حين تفوز في الانتخابات أن تنتخب بديلاً من رئيس المجلس النيابي. قد لا يكون أحد في التيار يفكر في صوت عالٍ في ما بعد الانتخابات النيابية. لكن الأكيد أن هناك من يحلم به.