Site icon IMLebanon

الأسباب الموجبة للثورة البيضاء

 

 

 

تستدعي الأوضاع العامة في البلاد في هذه اللحظات المصيرية وجوب إعادة تنظيم لا بل ترتيب أساسية لأولويات أي مجموعة سياسية مستقلّة تعتبر نفسها قادرة على إيجاد مخارج للأزمة اللبنانية. إنه لمن الضرورة وضع القانون والدستور على سلّم الأولويات لإعادة الأمور لنصابها الشرعي والدستوري وإلى دعم كل المؤسسات الرسمية وفي طليعتها المؤسسات الأمنية ووضع خطة عمـل وسياسات جديدة عبر التركيز على خارطة طريق سليمة تشمل إصلاح ما أفسدته سلطة الأمر الواقع.

كباحثين في الشؤون السياسية وأعضاء في مركز PEAC للأبحاث السياسية والاقتصادية نعتبر أنّ «الثورة البيضاء» هي من الظواهـر السياسية الجديرة بالدراسة والتأمّـل بالنسبة إلينا كمواطنين مقيمين في هذه الجمهورية المُفكّكة، ومن دون فهم معاني هذه «الثورة البيضاء» فلن نتوّصل كناشطين إلى كلمة سواء، ولن تستطيع القوى السياسية التي تعتبر نفسها معارضة (نوّاب معارضين – رجال دين – فعاليات…) التواضع على سبيل الخروج من الأزمة السياسية العاصفة التي تمزّق المجتمع اللبناني وتنتهك سيادته تحت نظـر ساسة الأمــر الواقع، وبغض نظــر من المجتمعين العربي والدولي.

 

ماذا بعد!! اللبنانيّون محرمون من حقوقهم المادية والمعنوية على سبيل المثال لا الحصر، العسكريون المتقاعدون على الطرقات، المعلمون يعلنون الإضراب، الصناعة في خبر كان، أصحاب المهن الحرة في حالة هجــرة ونزف مستمّر، التجارة والصناعة تُعانيان من المنافسة غير المشروعة، قطاع الخدمات في خبر كان (لا كهرباء وفاتورة قاتلة، لا طرقات لا طبابة، لا مدارس وجامعات «الأقساط تكوي جيوب المواطنين»، الأدوية مفقودة) وهذا يعني أن الجمهورية ترزح تحت وطأة نظام دكتاتوري شمولي إرهابي لا يستوفي شروط الديمقراطية. وبصريح العبارة الجمهورية اللبنانية تحكمها عصابة «علي بابا والأربعين حرامي» وعفواً لهذا التوصيف، إنها الحقيقة.

إنّ الأسباب الموجبة لإعلان «ثـورة بيضـاء» بات أمراً مُلحّاً، خصوصاً عندما تكون ذات مطالب حقيقية ومشروعة وعملياً لا يجب إن تنتهي إلى مآسٍ تجعل شعبنا يندم كما حصل في «ثورة 17 تشرين» حيث تمّ اغتصابها من سلطة الأمر الواقع وكلٌ وفق شهوته السلطوية. «الثورة البيضاء» يجب أن تحقق نجاحاً باهـراً ضد هذا النظام القمعي والعنصري والعميل، وبالتالي عليها أنْ تُنجـزْ تنمية حقيقية ورد الاعتبار لمؤسسات الدولة الشرعية إستناداً للدستور وللقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن لصالح الاستقرار في الجمهورية اللبنانية.

 

«الثورة البيضاء» تحمل في طياتها الروح الثورية أي النظرة الثورية وهي التي بإستطاعتها أنْ تُظهـر لنا الحقائق الكامنة في الروح الثورية، نعم نحن بحاجة للثورة التي هي العمود الفقري لبناء نظام سياسي – أمني – قضائي – مالي – اقتصادي إجتماعي. سؤال يطرح نفسه: لماذا سيثور الشعب اللبناني؟ لأنّ النظام السياسي اللبناني تشوبه الخلخلة والقضم والسرقة والعمالة، وترّدي الأوضاع العامة سياسياً – أمنياً – إجتماعياً، خصوصاً عند تنامي مسائل البطالة والأجور والأسعار والخدمات والتعليم والصحة وأيضاً مسائل السكن والزواج…

لقد وصلت الأمور إلى حــد لا يُطاق، وليكُن معلوماً أن الشعب اللبناني وصل إلى لحظة أحسّ فيها أنه لم يَعُدْ قادراً على تحمّل الوضع الذي هو فيه، الأمر الذي سيدفعه إلى التمرُّد المنظّم الذي سيقوم به ضد السلطة التي خافها طويلاً والذي يعتبر أنها السبب في كل الظروف السيئة التي يعيشها، حيث سيتحوّل السكون إلى ثورة إلى بركان من الغضب، والخوف إلى جرأة والخضوع إلى تمرُّد.

إنّ «الثورة البيضاء» ستقلب الواقع المرير من أساسه، إنها اللحظة التي ستظهر فيها أصالة الشعب اللبناني الأبيّ وتعبِّر عن روح التغيير الحقيقي في مسار التاريخ اللبناني. «الثورة البيضاء» لها دور هائل في رسم السياسة اللبنانية المستقبلية.

وليكن بعلم هذه السلطة أن «الثورة البيضاء» لا تموت لأنها ليست من صنع فرد أو مجموعة، بل هي نتاج جهد شعب وعبقرية مجتمع لبناني عظيم، لأنّ المبادئ والأفكار التي ترفعها ليست من إختراعها ولكنها تعبير عن تراكم الخبرة التاريخية للشعب اللبناني. فإلى «الثورة البيضاء» دُرْ يا شعبي وأكتب تاريخك بحبر الكرامة والعنفوان وعزّة النفس في طهارة أرض لبنان التي تحتضن قدّيسين وشهداء وعمالقة.

* كاتب وباحث سياسي