عاد بند قانون الانتخاب إلى المربع الأوّل، بعدما فشلت اللجان النيابية في التوصّل إلى حلول وسط أو تقديم المشاريع المقبولة من الأطراف السياسية والتي تُحاكي تطلعات اللبنانيين إلى قانون انتخابي حديث، يضمن التمثيل الشبابي ويُعطي فرصاً للمغرّدين خارج سرب المحادل في الوصول إلى قبّة المجلس في آن.
إن ترحيل الخلاف إلى طاولة الحوار، شبه المعطلة أصلاً، هو طريقة مقنّعة لترحيل هذا الاستحقاق إلى أجل غير مسمّى حتى تتبلور خريطة الأزمة في المنطقة، ومعها الاستحقاق الرئاسي وبالتالي إعادة مؤسسات الدولة إلى أطر العمل السليم.
ولم تكن الانتخابات البلدية إلا لتزيد الملف تعقيداً، حيث توجست مختلف القوى السياسية شراً بعدما انتفضت القاعدة الشعبية وأرسلت رسائل بمختلف الاتجاهات حول جهوزيتها للمحاسبة في صناديق الاقتراع، البلدية اليوم والنيابية غداً، بعدما طفح الكيل من الإهمال الرسمي للحاجات الحياتية الملحة وتغليب المصالح الخاصة على أولويات المواطن المنهك على أكثر من جبهة، إضافة إلى الرغبة الشعبية الجامحة بالتصدي لمحاولات بعض الأفرقاء إلغاء الآخر واحتكار التمثيل الطائفي على حساب العائلات والمجتمع المدني الناشط ، والذي وحده نجح في سد ثغرات رسمية لا تعدّ ولا تحصى.
إن أهمية التوافق اليوم على قانون انتخابات عصري تكمن في كونها الخطوة الأولى نحو تحديث الدولة المهترئة، وإثبات قدرة الطاقم السياسي الحاضر على إحداث خرق واحد، على الأقل، في جدار الأزمات المتراكمة، وإخراج الممارسة السياسية من دائرة الطائفية العقيمة نحو تمثيل وطني لنواب يحملون مشاريع إنمائية على مستوى الوطن وليس حملات انتخابية ضيّقة، تنتهي صلاحيتها بعد الانتخابات، لجمهور طائفي محدد. أما الكوتا النسائية فهي أيضاً الرهينة المزاجية الحزبية أسوة بالتمثيل الشبابي الديناميكي، وبالتالي كلها عناصر تُبقي العمل السياسي ضمن القوالب التي تجاوزت التقليدية نحو الفاسدة.
وبعيداً عن الخطط المنتجة بقيت عالقة في العجز ومستسلمة للمصالح الضيّقة والحسابات الخاصة.
تبقى الكرة في ملعب القوى السياسية التي تتجاذب الملفات الحياتية الملحة بدءاً من النفايات مروراً بالمياه والكهرباء المنسية وصولاً إلى الفراغ الرئاسي القاتل والشلل التشريعي المعيب، حيث بقيت الكلمة الفصل في هذه الملفات الساخنة للصفقات الفاسدة والمحاصصات المقيتة، ولم يعد للبناني عامة والشباب خاصة أي أمل في الخروج من الحلقة المفرغة إلا عبر المحاسبة في صناديق الاقتراع، وهي آتية لا محال… وصولاً إلى إنتاج طبقة حديثة نظيفة، لن تلغي القديم، ولكنها قادرة على تطهير جزء كبير منه وإعادة الإيمان بغد أفضل للبنان الأخضر (سابقاً)!!