Site icon IMLebanon

الثورة البيضاء عودٌ على بدء

مرّة ثانية نتوقف أمام صرخة الرئيس نبيه برّي في وجه نواب الأمة من أن الثورة البيضاء تدق أبوابهم وهو إبن مدرسة القائد الإمام موسى الصدر ونهل من حكمة القائد وعقله الراجح وعاشر الكبار من الرؤساء: كميل شمعون وفؤاد شهاب وصائب سلام ورشيد كرامي، والقادة: المعلّم كمال جنبلاط وريمون إدّه وبيار الجميّل، ونسأل أنفسنا قبل أن نسأله هل وصل إلى الإفلاس من تلك الطبقة السياسية التي تتحكّم بالبلاد والعباد منذ عدّة عقود، وأدرك أن الشعب اللبناني مثله ضاق ذرعاً بهم، وآن أوان إعلان الثورة البيضاء أو الحمراء للتخلّص منهم قبل أن يتخلّصوا هم منه ومن الوطن الذي يأويهم أو ينتمون إليه بقوة الفعل أو بفعل القوة، وهل كان يقصد بالثورة البيضاء تلك التي قامت من فوق في العام 1952 وأسقطت حكم الرئيس بشارة الخوري بعدما استفحل الفساد والإفساد في كل مرافق الدولة بفعل سياسة شقيقه السلطان سليم كما كانوا يسمّونه في تلك المرحلة، أم هي ثورة بيضاء من القاعدة الشعبية الواسعة التي عبّرت في الانتخابات البلدية والاختيارية عن رفضها التام لاستمرار هذه الطبقة في التحكّم بالرقاب وامتصاص دمائهم ودفعهم إلى الهجرة مرغمين عن وطنهم الذي يفترض به أن يرعاهم، ويحافظ على حقوقهم، ويجهد حكامه في توفير فرص الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم من بعدهم.

إذا كان الرئيس برّي إبن مدرسة الإمام موسى الصدر يتوقع ثورة من فوق أي من القيادات السياسية التي تتحكّم بعيش النّاس ولا يهمّها سوى تكديس الأموال في المصارف الوطنية والأجنبية، بعدما وصلت الأمور في البلاد جرّاء سياساتهم العرجاء إلى ما وصلت إليه، فهو واهم، ويحدّث نفسه ولن يصل صدى كلامه إلى آذان هذه الطبقة التي فاق فسادها وإفسادها كل تصوّر ولم يصل يوماً لبنان إلى مثل ما هو عليه اليوم، حتى في أعتى العهود التي مرّت عليه فساداً وإفساداً، وإذا كان يقصد بذلك ثورة الشعب لاجتثاث هذه الطبقة من جذورها والإتيان بقيادات صالحة ومُصلحة همّها إعادة الثقة بالدولة وإعطاء المواطن كل حقوقه في المواطنية، فإن تحذيره جاء في وقته ومحلّه بعدما فشلت كل المحاولات التي بذلها هو وغيره من المصلحين القلائل لإصلاح هذه الطبقة والحؤول بالتالي دون انطلاق ثورة الشعب ضدها وضد ممارساتها التي تشبه إلى حدّ بعيد ممارسات الإباطرة والقياصرة في العهود الساحقة البعيدة، حيث كانوا يتلهون بامتصاص دماء شعوبهم بإسم السلطة الإلهية التي لا تردّ ولا تُقهر.

وفي اعتقادنا واعتقاد الكثيرين من اللبنانيين أن صرخة الرئيس برّي كانت موجهة إلى هذه الطبقة الفاسدة وهي بمثابة الإنذار الأخير لهم، فإما أن يصلحوا أنفسهم اليوم قبل الغد والغد قبل بعده، وإما أن يرحلوا بإرادتهم لأن الثورة الشعبية البيضاء أو الحمراء أصبحت على الأبواب وأن الانتخابات البلدية والاختيارية خير دليل على صحة تلك الصرخة التي أطلقها برّي في وجه نواب الأمّة.