Site icon IMLebanon

مَن يقبل بـ«البيك».. يقبل بـ«الجنرال» رئيساً

يخطئ من يظنّ أنّ غصّة ما تعلق في حنجرة الجنرال ميشال عون في هذه الأيام، أو أنّ موجة من الغضب تجتاح صالونه أو عقله من لحظة التقاطه أخبار اللقاء الباريسي بالتواتر أولاً.. وبالتأكيد ثانياً. وساذج من يعتقد أنّ «المقاتل العتيق» استسلم فور سماعه أنباء التقاطع الاقليمي والاندفاعة الحريرية بالصوت والصورة باتجاه سليمان فرنجية، فصار للأخير ما كان يطمح ويخطط له رئيس «تكتل التغيير والإصلاح».. ورفع رايته البيضاء.

العكس تماماً. يبدي الرجل أمام كل من يلتقيه ارتياحه التام على خلاف ما يُنتظر منه. لم تهتز عزيمته ولم تنكسر إرادته. لا يزال في مربعه الأول: أنا المرشح. وما عدا ذلك يصبح بالنسبة له ثانوياً لا يغيّر في الجوهر.

طبعاً، هو ليس من قماشة الزعامات التي تعطي فسحة للمناوشات الحاصلة خلف جدران دارته، وتحديداً بين برتقالييه وحلفائهم المفترضين على الجهة «المَرَدية». هناك تتكفّل مواقع التواصل الاجتماعي بفضح ما ينضح من الإناء. أما هو فلا يعنيه نبش الصفحات القاتمة من كتاب الشراكة مع القطب الزغرتاوي، ولا الاستعانة بالخط البياني للعلاقة الذي راح يهبط منذ سنوات، للتدليل على الجفاء، لا بل على التوتر، بين الرابية وبنشعي.

في حسابات الرجل، النظرة مختلفة. يكفيه أن تأتيه أخبار انتصارات تياره النظيفة في النقابات، كي يقول من دون أن يلفظ أنّ خياراته تثبت صوابيتها، وأنّ اتهامه بالتعطيل، في الرئاسة وفي الحكومة وحتى في البرلمان، لا يهزّ عرش أرضيته وشعبيته. بل على العكس، تدلّ الأرقام العلمية على أنّه «ملك التعطيل» وأنه لا داعي لإعادة النظر بأدائه أو مقاربته للقضايا الكبرى التي هي وحدها اليوم سيدة حلبة العراك السياسي. وعليه، هو يقف في مكانه.

هكذا، يقارب ميشال عون التطورات، بكثير من الهدوء والأعصاب الباردة. لا تبهره الأخبار الآتية من كل حدب وصوب مهللة للتوافق الإقليمي على اسم حليفه، ويفضل تشريحها جيداً قبل الغرق في تفاصيلها وتداعياتها. ما بين يديه من معطيات ذاتية، تتغلب على ما يقدمه الآخرون ولو كان على طبق التفاهم الإقليمي.

يعرف موقعه وحيثيته جيداً، وأنّ ما أعطي له لم يُمنح لغيره، إن لناحية الحثيثية الشعبية التي تسمح له بأن يمارس غنجه ودلاله الى أقصى حدود، أو لجهة «الكلمة» التي سمعها الحلفاء والخصوم من الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بأنّه مرشح الحزب الى أن يقول هو عكس ذلك، وبالتالي هو ممر إلزامي لأي طبخة رئاسية، حتى لو كان سعد الحريري هو من يضع راهناً مكوّناتها الأساسية.. ويتصرّف على هذا الأساس.

بالنتيجة، هو ليس مستعداً لفتح منفذ تسوية لا يرى نفسه ملزماً على القيام بها أو مضطراً ليخطو نحوها، ولو أن البقية يصورونها على أنها فرصة ذهبية قد لا تتكرر كل يوم، ومن شأن نسفها أو تعطيلها أن تطيل عمر الشغور الى أمد غير محدد أو منظور. الأهم بالنسبة اليه، هو أنه المرشح الأساس، وما دام هذا الترشيح لم يفقد عافيته أو صلاحيته، فلا معنى لأي ترشيح آخر.

ولهذا ربما تأخر اللقاء بين «الجنرال» و «البيك»، فركّز الأخير تواصله مع جبران باسيل. ذلك لأنّ ميشال عون لا يملك شيئاً ليزيده على ما هو معلن من جانبه، أي لا خطوة انقلابية على واقع ترشيحه، وتالياً لا جديد قد يضعه أمام ضيفه.

يكفيه أن يستجمع كل هذه المعطيات كي يقفل الباب على معادلة وحيدة لا يرى لها منافساً شرساً: من قَبِل بسليمان فرنجية صديق بشار الأسد بالفطرة، وحليف «حزب الله» من لحظة «التكوين السياسي» للحزب، بمقدوره أن يقبل بميشال عون. واستطراداً، فإنّ الفيتو الذي قام بوجه الجنرال، سيسقط حكماً بعدما قفز الى ما هو أصعب منه، وهو ترشيح القطب الزغرتاوي.

هكذا، يجلس ميشال عون في دارته ويترقب. هو مرشح الى أن تتغير الظروف وتتعبّد الطريق من الرابية الى بعبدا، ويصبح ما كان ممنوعاً، متاحاً.. أما غير ذلك فيفترض ظروفاً أخرى.

ومع ذلك، ثمة منفذ يمكن اختراق الجدار البرتقالي من خلاله، وهو قانون الانتخابات. عملياً، بمقدور سليمان فرنجية أن ينسف كل التهم التي وجهت اليه بالبصم على «قانون الستين» ضمانةً لـ «تيار المستقبل»، والعمل على رفع مرتبة صيغة جديدة الى مرتبة الاقتراح التوافقي المقبول من الجميع. لا حاجة لمن يخبر المسيحيين أنّ المستقبليين مستعدون لتقديم أي تنازل في رئاسة الجمهورية، وفعلوها برفعهم اسم القطب الزغرتاوي، مقابل «تقديس» القانون الانتخابي القائم. كل ما عدا ذلك، يُعدّ بمثابة وضع رقبتهم تحت المقصلة. ولهذا يقاومونه.

بالتالي، لا إمكانية لإحراج ميشال عون ودفعه للتقدّم خطوة الى الأمام، إلا من خلال ضمّ قانون الانتخابات الى سلّة التفاهم مع «تيار المستقبل» كي لا تكون ثنائية الأضلاع كما هي معروضة اليوم، وقفاً لمفاعيل «قانون الستين» وإفساحاً في المجال أمام المسيحيين لتحسين تمثيلهم النيابي، لأنهم اذا لم يفعلوها هذه المرة وبهذه الظروف بالذات التي قد تدفع الجميع الى طاولة التنازلات المشتركة، فلن يفعلوها أبداً.

عملياً، بات جلياً أنّ سعد الحريري يبذل ما بوسعه كي تفتح له أبواب السرايا من جديد بعد أبواب مطار بيروت الدولي، وبالتالي لا عودة الى جذوره إلا على متن تفاهم كبير يخرج فخافة الشغور من القصر الرئاسي. وهو بالنتيجة مستعد لتقديم الغالي والنفيس كي يحقق هذه الخطوة. فهل تكون الممانعة العونية مدخلاً لمزيد من التنازلات التي تدفع الجميع الى ترتيب أوضاعهم، وإعادة حساباتهم على هذا الأساس؟