لو لم تكن المسألة تتعلّق باستحقاق على هذا المستوى من الأهمية، ولا يتحمّل الهذر، لصعب الاقتناع بأن الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري والنائب وليد جنبلاط جدّيون فعلاً في طرح النائب سليمان فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية. والمشكلة ليست في شخص المرشح، فهو زعيم منطقته الشمالية (زغرتا) وتياره المحلي (المردة) بلا منازع، وابن بيت سياسي لا شك في ذلك، له حلفاء وأصدقاء سياسيون محدّدون، وله خصومٌ كثرٌ راكمهم في أعوام نظام الوصاية السورية وفي سياق تعصّبه لذاك النظام. ساعدته تقليديته في قبول انفتاح من بعض هؤلاء الخصوم لكنه أبقى تواصله معهم في اطار متحفّظ، اذ كانت العلاقة مع آل الاسد في رأس محدّدات سياسته وظلّت أهمّ عنده من أي علاقة اخرى. وما بدا أشبه بعزلة عاشها في الأعوام الأخيرة، بل أشبه باستقالة من السباق الرئاسي، تبيّن الآن أنه مجرد انتظار لفرصته التي أنضجها الواقع وانسداد الآفاق.
المشكلة أن ادارة الدولة اللبنانية بحالها الراهنة تتطلّب خياراً مختلفاً، وهو ما يعرفه جيداً بري والحريري وجنبلاط. المفارقة أنهم يقدّمون فرنجية كما لو أنه “مرشح توافقي” مع أن مواقفه واقتناعاته التي يجهر بها ليست توافقية، وهو لم يراجع أو يبدّل أيّاً منها، والفارق بينه وبين العماد ميشال عون أنه لم ينبر كالأخير لخوض معارك سياسية مبالغاً في كشف تناقضاته وفي استفزاز الآخرين. والمفارقة الاخرى أن العرابين الثلاثة فضّلوا دائماً أن يأتي المرشح الرئاسي نتيجة توافق مسيحي، بل ان الأطراف المسيحيين بذهابهم الى حدّ تبني “الاقتراح الأرثوذكسي” لقانون الانتخاب أبدوا رفضاً لأي “رئيس – أمر واقع” يتبنى الأطراف المسلمون ترشيحه. وهذا ما يبدو حاصلاً حالياً. فما الذي طرأ ليغيّر قواعد اللعبة؟
ما تغيّر هو أن التوافق المسيحي بدا مستحيلاً، وأن خيار ميشال عون سقط منذ شهور طويلة ولم يتمكّن “حزب الله” من تعويمه، وأن العوائق أمام الاستحقاق الرئاسي لم تكن خارجية فحسب بل داخلية أولاً وتمثّلت تحديداً بالسلوك العوني ذاته، فبلغ الانسداد ذروته وتفاقمت مخاطر انعكاسات الأزمة السورية على لبنان، لذا كان لا بدّ من خطوة انقاذية. فهل يكمن الانقاذ في خيار فرنجية؟ ردود الفعل العابرة للطوائف على ترشيحه عبّرت عن نفسها بشفافية، فبين مخاطرة مقلقة بتكرار تجربة اميل لحود، ومجازفة مكشوفة بالاعتماد على صديق بشار الاسد، ومراهنة غير مضمونة على حياديته ازاء الانقسامات الداخلية بين الأحزاب والتيارات والطوائف وداخلها، يكون المجتمع قد أبدى موقفاً واضحاً من ترشيح فرنجية. والأكيد أن هذا الموقف ينسحب سلباً على العرابين الثلاثة، لكن أكثرهم تعرّضاً لخيبة أمل وخسائر في بيئته السياسية سيكون الحريري بلا أي شك. ولو كانت “تضحيته” تبرر خياره لهان الأمر، غير أن الهدف الانقاذي في ترشيح فرنجية ليس واضحاً لأحد.