بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، دخلت البلاد في مرحلة جديدة يمكن اعتبارها نقطة تحوُّل استراتيجية في السياسة والأمن والإستقرار والإنماء والإقتصاد والسياحة.
بات لبنان أمام مشهد جديد، وتحالفات وحسابات جديدة تتجاوز كل الرهانات والإصطفافات والشعارات السابقة.
يقول الرئيس نبيه بري إن تفاهماً أميركياً – إيرانياً فتح باب التسوية الرئاسية. وتقول وكالة «ستراتفور» الإستخبارية الأميركية في تقرير لها قبل يومين، إن التسوية جاءت نتيجة وساطة فرنسية بين إيران والسعودية، وتشكك في إمكان ان تمتد التسوية المحدودة في لبنان الى تسويات أخرى في دول المنطقة؟
ويقول الرئيس برّي إن الشق الأول من السلة أُنجز بانتخاب عون وبتكليف الرئيس سعد الحريري لاحقاً هذا الأسبوع بتشكيل الحكومة، لكن يبقى هناك بندان أساسيان: الحكومة، وقانون الإنتخاب.
وما إعاقة انتخاب الرئيس عون من الدورة الأولى بالثلثين في جلسة أمس، إلّا رسالة واضحة إلى الرئيسين عون والحريري معاً، بأن مفتاح النصاب كان فعلاً في يد مَن دفع إلى دورة تالية بالنصف زائداً واحداً، لكنه لم يلعب هذه الورقة، بل ترك الباب مفتوحاً للتفاوض وإمكان الإنضمام الى شراكة أوسع مع العهد الجديد.
وبالفعل طرح أكثر من فريق على برّي فيما كان في جنيف أن يشهر سلاح تعطيل نصاب جلسة الإنتخاب، إلّا أنه رفض ذلك.
وكانت تمت إتصالات بين الرئيسين عون وبرّي خلال الأسبوع الماضي من خلال موفدين بوساطة من «حزب الله»، حلحلت الكثير من التشنج بينهما، وأبلغ برّي عون أن «مشكلتي ليست معك».
وفي الموازاة، أبلغ «حزب الله» الرئيس عون:
1 – عهدك هو عهدنا. إلتزمنا معك إلى النهاية وحقّقنا الإلتزام، لكن كل التزام خارج التزامنا معك نحن غير معنيّين به.
2 – نحن كما أوكلنا إلى الرئيس برّي إدارة المعركة السياسية في حرب تموز 2006، نوكله اليوم إدارة الملف السياسي في شقَّيه الحكومي وقانون الإنتخاب.
3 – إذا دخل برّي الحكومة ندخل معه، وإذا ذهب الى المعارضة نذهب به.
كل هذا الكلام لا يعني أن «حزب الله» والرئيس برّي يتجهان إلى عرقلة إنطلاقة عهد الرئيس عون، لكنهما يريدان محاصرة الحريري ومحاسبته وتدفيعه أثماناً إضافية في التسوية.
لن يقدّم «حزب الله» للحريري الكافيار الإيراني والزعفران
على طبق من ذهب، ولن يفرش أمامه السجّاد العجمي لدخول السراي الحكومي، خصوصاً بعدما باركت السعودية بكل وضوح مبادرة الحريري، وأعربت عن نيّتها العودة سريعاً إلى الساحة اللبنانية.
والرئيس برّي سيُغرق الرئيس المكلف بمطالب وحقائب، لأنه يدرك شبه استحالة تأليف حكومة لا يشارك فيها هو و«حزب الله»، وسيحاول توجيه ضربة مؤلمة اليه في قانون الإنتخاب.
لكن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف يُدركان حجم التحدّيات والآمال المُعلّقة عليهما في الوقت ذاته، ويملكان نية صادقة في احتواء الأزمة مع بري، والإنطلاق بعجلة العهد سريعاً.
فالناس تعبوا، وملّوا، وسئموا من تداعي نظام الدولة، وشلّ المؤسسات، والعجز السياسي والإداري، وتدهور الإقتصاد، وتفشي البطالة، وأعباء النزوح ومزاحمة اللبنانيين في لقمة عيشهم، والفساد ونهب الثروات، وانعدام الثواب والعقاب، والهجرة، وغياب العدالة الإجتماعية، والفقر. ونتيجة كل ذلك، سُجِّلت خلال سنة واحدة 138 حالة انتحار في بلد صغير كلبنان، وانتشرت جرائم القتل لأتفه الأسباب.
كثر عرّابو العهد، وكل فريق يعتبر أنه انتصر في خياراته على الفريق الآخر، لكن الواقع أن إرادة واحدة هي التي يجب أن تكون انتصرت فعلاً: إرادة العودة الى الدستور والمؤسسات انتصرت على نوايا التعطيل والفوضى والفراغ.