Site icon IMLebanon

المهرولون إلى تقسيم المنطقة والتهام خيراتها

 

ما هي حقيقة المواقف الأميركية مما يجري في المنطقة، وبالتحديد، ما هي حقيقة مواقفها مما يجري هذه الأيام في سوريا.

هل صحيح أن الولايات المتحدة سلمت زمام القيادة إلى روسيا وأطلقت لها زمام التصرف على أراضي تلك الدولة المنكوبة تفعل بها ما تشاء بالرغم من بعض المظاهر المعاكسة، وبالرغم من أن حقيقة الأمر التي باتت ظاهرة للعيان تدل على أن هناك عملية تفاهم وتقاسم وها هو ترامب يجتزىء لنفسه ولبلاده جزءا من الوليمة السورية التي طرحت أصنافها الدسمة على طاولة الإلتهام والتلاعب تمهيدا على ما يبدو، لتقاسمها قطعا من الجبن الدسم، ونتيجة ما هو حاصل حتى الآن، أن الولايات المتحدة قد اتخذت في الارض السورية جملة من المواقع والمواقف السياسية الخاصة بها والمنسجمة مع مصالحها، وفي طليعتها المباشرة في انشاء قواعد عسكرية، ربما لاستبدالها على مدى بعيد بما فقدته من قواعد وتسهيلات عسكرية في تركيا، ونسيت أن هناك بلدا يجري التهامه كما يجري قتل ابنائه والتنكيل بهم وصولا إلى ارتكابات لا انسانية، للنظام وملحقاته ولروسيا التي يبدو أنها ضيعت أية بوصلة إنسانية قد تكون باقية لديها، ولإيران التي ألحقت بمقاتليها عشرات الألوف من أفراد الميليشيات التابعة لها والذين استقدمتهم إلى ساحة الوغى السورية مرتزقةً يتقاضى كل منهم مئات الدولارات شهريا، فضلا عن كلفة تسليحهم وتشغيلهم في لعبة الموت الدائرة هناك والتي تُسبب لإيران، تلك الإنتفاضة التي طرأت على النظام الإيراني فهزّته بعنف كاد أن يودي به باستمراريته، كل ذلك وسط قرارات دونكيشوتية للرئيس الأميركي، ابتلي بها الشعب الأميركي قبل غيره وابتلينا معه، وها نحن اليوم نترحم على أيام مضت كان الرئيس أوباما خلالها رئيسا منكفئا ومتراجعا، ومتخاذلا ولم نترك نقدا من أي حجم كان، يتجاوزه خاصة في ما كان له من «أفضال» في موضوع الأسلحة الكيماوية التي استعملها النظام السوري بضع مرات خلال ولايته، وتهرّب أوباما من مجرد الإعتراف بوجودها وتركها وقد أصبحت، أمرا طبيعيا لا يُحرّك أي ضمير وأية دولة وأي شعب وها هو في أيام ترامب يستعملها عشرات المرات، في أيامه مشفوعة بالبراميل النارية والصواريخ والقصف الجوي والبري، وبذلك الدمار الشامل والقتل العشوائي الذي يطاول الأرض السورية والمواطنين السوريين، مما مكّن نظاما كان يفترض أن تلحق به هزيمة كاسحة منذ سنوات، فاستقوى بإيران، وبروسيا خاصة، التي أخذت على عاتقها تنفيذ المهام التدميرية القاتلة، كما أخذت على عاتقها تغطية الموبقات والجرائم الحاصلة، سواء بالعون العسكري الدافق أم على منصات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث كانت دائما الدولة دائمة العضوية الوحيدة التي استعملت الفيتو حوالي العشر مرات، وحيث أغمض المستعمر الروسي الجديد عينيه وأغلق أذنيه غير عابىء بما يقترفه وما ينتجه من جرائم ضد الإنسانية.

ها هي بالتالي حقيقة الوضعية الأميركية التي لا تتحرك إلا بما يوحيه لها ضمير الرئيس ترامب الذي سيرنا غوره في أكثر من مناسبة ومن بينها موقفه المخزي من قضية القدس التي دفع بنفسه إلى حمل كل أوزارها على كتفيه المغزولتين إلى حد بعيد، بخيطانٍ صهيونية تفجرت على هذا النحو المعيب في قضية القدس. علاقة ترامب بإسرائيل إضافة إلى تضامنه الخفي والظاهر مع بوتين هذه لا بد لها أن تمتد إلى المحيط العربي كله ومن بينه سوريا، حيث يجري تهديمها حجرا وبشرا، لمصلحة إسرائيل أولا، مع ربط آخر يضعه الشعب الأميركي كله في موقع الشبهة، واختراقه الجدران الوطنية للولايات المتحدة الأمر الذي ما زالت أجواؤها تعبق به حتى الآن، متشبثة باتهام ترامب وأفراد عائلته بتلك العلاقة المشبوهة التي يبدو أنها أفلحت في تمهيد الطرق الصعبة والوعرة التي واجهته في الإنتخابات الرئاسية الأميركية في وقت لم يكن ليخطر على باله أنه سيكون أول المحظوطين.

أما تلك «المناغشة» القائمة ما بين ترامب ومؤلف الكتاب الجريء المنتشر بين الناس كالنار في الهشيم في الولايات المتحدة فهو، وردود ترامب وردات فعله عليه، يدلان على أي مستنقع فاسد وأي مستوى مؤسف باتت الولايات المتحدة تغطس في غماره.

يبقى أن ننوه سلبا بالضمير الدولي المتراجع إلى أرذل المواقع، حيث يبدو أن عناياته واهتماماته بالمجازر التي تحصل في أنحاء عديدة من العالم العربي وخاصة في سوريا، لم تعد تحظى على الإهتمام الإنساني والخلقي الذي تستحق، صمت وتهرّب من أي نوع من تلمّس المسؤوليات تجاه ما هو حاصل وما يمكن أن يحصل، يشجع روسيا والولايات المتحدة على الإستمرار في نهجهما القسري واللاإنساني، وعيون كل منهما متجهة إلى ذلك القادم المستقبلي إلى عالم الطاقة: الغاز والنفط، منشأ وممرات وسبلا للشحن غير المكلف وانابيت للنقل ما بين القارات والأبعاد المتمادية يتم الاتفاق عليها ما بين القوى الطائلة والقادرة، ليتم طمسها والغاؤها بأساليب جديدة، التي تنسجم مع الأوضاع الإقتصادية والتقنية لدى كل من ذئاب الغزو الإستعماري الحديث.

الشاطر في هذه المرحلة من زماننا الرديء الذي نعيشه، هو من يغلب الآخر في هذا السباق الإقتصادي الجديد الذي يمكن أن يوقف تفوقا لقوة إقتصادية ما، على قوة أخرى تنافسها في دنيا الطاقة الحديثة والمنافسة باتت في هذا الإطار… قذرة ولا إنسانية ودموية، وما على البلاد المستضعفة إلا الرضوخ… هكذا يقول لها ضمير المتناسين.