IMLebanon

مَن هم المستفيدون والمتضرّرون من الشغور؟ وهل يتعرّض لبنان لما تتعرّض له اليمن؟

السؤال الذي أخذ يثير قلق أوساط رسمية وسياسية وشعبية هو: من هم المستفيدون من استمرار الشغور الرئاسي بعدما دخل شهره العاشر، ومن هم المتضررون؟

الواقع ان المستفيدين من استمرار الشغور هم الذين يواصلون تنفيذ مخطط إحداث فراغ شامل في لبنان بحيث لا سبيل الى الخروج منه الا بوضع دستور جديد يعيد النظر في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث على نحو يجعله اكثر عدالة وانصافا ومساواة، وهو ما يحقق الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي الدائم والثابت. ومخطط إحداث الفراغ الشامل بدأ مع أحداث 7 أيار التي فرضت عقد مؤتمر الدوحة الذي صدر عنه اتفاق سهّل إجراء انتخابات رئاسية بعد شغور رئاسي دام ستة أشهر وإجراء انتخابات نيابية وفق قانون الستين معدلاً وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وهو اتفاق خالف أحكام الدستور إلا انه كان لا بد منه للخروج من تداعيات أحداث 7 أيار. وقد وافق الأقطاب في 8 و14 آذار على هذا الاتفاق ظنا من كل قطب انه في مصلحته. وإذا بنتائج تطبيقه لا ترضي قوى 8 آذار التي ربما وافقت مكرهة على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية لأنها لا تعرف شيئا عن حقيقة حياده عن الاصطفافات القائمة، الى ان ظهرت في آخر ولايته بإعلان مواقفه الوطنية حيال ما يجري في لبنان وسوريا والتي لا مجال للحياد فيها بنظره لأن مصلحة لبنان يجب ان تعلو على اي مصلحة. حتى ان حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري، وقد تألفت بموجب اتفاق الدوحة، لم تعد تعجب 8 آذار فاستقال الوزراء الذين يمثلونها منها بصورة مفاجئة ومثيرة لتخلفها حكومة اللون الواحد التي عرفت بـ”حكومة حزب الله” برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، ظناً من الحزب وحلفائه انها ستكون مع النظام السوري على رغم ان بيانها الوزاري قال بسياسة “النأي بالنفس” عما يجري حول لبنان ولا سيما في سوريا، عملا بـ”اعلان بعبدا”. لكن الحزب لم يأبه لهذه السياسة فقرر خرقها بإرسال مقاتلين منه الى سوريا لمساندة النظام ضد خصومه، ما ادى الى استقالة الحكومة والدخول في أول تجربة للفراغ الحكومي الذي لم يكن من وسيلة للخروج منه بعد 11 شهرا الا بتوافق سعودي – ايراني على تشكيل حكومة برئاسة الرئيس تمام سلام.

وبما ان التوصل الى تحقيق الفراغ الشامل لا يبدأ بالحكومة انما برئيس الجمهورية، فقد وافقت 8 آذار على تشكيل حكومة “المصلحة الوطنية” كما سماها الرئيس سلام، وحكومة “التسوية” كما سماها السيد حسن نصرالله، وهي التسمية الصحيحة باعتبار ان كل موضوع يطرح على مجلس الوزراء تحتاج الموافقة عليه الى تسوية، ولأن المصلحة الوطنية بعيدة كل البعد عن عدد من الوزراء فيها. وبما ان الفراغ الشامل لا يتحقق بتعطيل السلطة التشريعية ولا بتعطيل السلطة الاجرائية، فقد وافق “حزب الله”، خلافا لرأي حليفه العماد ميشال عون، على التمديد لمجلس النواب لتعذّر الاتفاق على مشروع قانون يضمن فوز الاكثرية النيابية لمرشحي قوى 8 آذار وجعل الحكومة التي تضم الاضداد لا تعمل الا في الحد الادنى على ان يظل بقاؤها هو “الكحل” وذهابها هو “العمى”.

أما رئاسة الجمهورية فشيء آخر، فإما يكون الرئيس مع خط 8 آذار وتحديداً “حزب الله” دعماً للنظام السوري، وإما لا يكون رئيس، وهو ما حصل حتى الآن. فإما أن تقبل قوى 14 آذار بواقع حكومة لا تعمل ومجلس نواب لا يشرّع إلا للضرورة، ورئاسة جمهورية شاغرة، وإلا كان الفراغ الشامل… وهو وضع يجعل شعار 14 آذار “العبور الى الدولة” والمرفوع من سنوات يتحول شعارا للعبور على الدولة والإبقاء على الدويلة، بحيث لا يبقى الأمن والاستقرار ممسوكين من الدولة وحدها إنما من “حزب الله” أيضا، والوضع الاقتصادي والمالي يحافظ على استقراره بفضل استمرار هذا الامن. ولا شيء يضير “حزب الله” من استمرار هذا الوضع الشاذ الذي يبقي لبنان عند حافة الفراغ الشامل في أي وقت، في حين انه يضير قوى 14 آذار التي لا رهان لها سوى على الدولة وعلى الجيش، وعلى اقتصاد يبقى قادرا على الصمود إن لم يكن قادرا على النمو. فإلى أين يذهب المستمرون في مقاطعة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية بلبنان اذا لم يعودوا الى ضميرهم ويقرروا الرجوع عن هذه المقاطعة خدمة للبنان ومحبة باللبنانيين؟

ثمة من يقول إن “حزب الله”، ومن معه، ينتظر التطوّرات الجارية في المنطقة وما سوف تسفر عنه المفاوضات حول الملف النووي الايراني. فإما يكون لبنان من حصة السياسة الايرانية وضمن نفوذها في المنطقة فيكون رئيس الجمهورية من هذا الخط، وإما يبقى الحزب في محطة الانتظار، وقد يفعل في لبنان ما يفعله الحوثيون في اليمن توصلا الى تسوية يقوم على اساسها حكم جديد تتمثل فيه كل القوى السياسية الاساسية بحسب حجمها.

فهل يكون لبنان على هذا الطريق الخطر اذا استمر الشغور الرئاسي الى اجل غير معروف مع استمرار ويلات الحروب في المنطقة وهجمات الارهاب وليس في لبنان ما يحصّنه ضد كل هذه المخاطر؟