على هامش ملف العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» و«داعش»، نَمَت أدوار لوسطاء سريّين لم يكشف عنهم جميعاً، وإن كانت الظروف قد كشفت عن بعضهم منذ أن فُتح هذا الملف بعد «غزوة عرسال» مطلع آب من العام الماضي، وهناك من يجهد لهذه الصفة. من هم هؤلاء؟ وكيف يمكن تصنيفهم؟
يتردَّد بعض المتعاطين في ملف العسكريين المخطوفين من سياسيّين وأمنيّين عن الغوص في تفاصيل كثيرة يمكن أن تدلّ على هويات ممثّليهم من الوسطاء الذين نسَجوا علاقات مميزة مع قادة المسلحين، سواء في «النصرة» او «داعش» لأكثر من سبب، أوّلها أمني من صلب المهمة، وثانيها مرتبط بسلامتهم، وثالثها يرتبط بطريقة العمل التي يمكن أن تقودهم الى نسج علاقات في إطار لعبة مخابراتية تفرض عليهم التكتم.
ليس في الأمر سراً إلّا على الرأي العام، فلدى بعض الدوائر الضيقة الأمنية والسياسية معلومات دقيقة وتفصيلية عن هؤلاء. فهم يعرفون الكثير الكثير منهم وفق لائحة واضحة تجمع صفاتهم وأدوارهم وعناوينهم الكاملة ووسائل الإتصال التي يستخدمونها وخصوصيات أخرى قد ترتبط بأعمال مالية ومهنية غير عادية.
ففي المطبات التي شهدتها أزمة المخطوفين منذ عام الى الآن، برزت أدوار لمشايخ وشخصيات حزبية أدّت أدواراً مهمّة سعى من خلالها البعض الى كَسب معنوي او مادي، وسعى آخرون إلى ترتيب أوضاع قريبين منهم لعلّهم ينجحون في ترتيب ملفاتهم الأمنية والقضائية التي وضعتهم داخل السجون اللبنانية كما السورية.
وقد كشفت أدوار عدد منهم قبل أن يتحقّق مبتغاهم، فتوقفوا طوعاً عن المهمات التي تعهّدوا بها، أو أنّ مراجع معنيّة من هذا الطرف او ذاك أنهَت خدماتهم. ومنهم من أنهى المهمة عندما وصل الى مرحلة من المفاوضات وأعلن عجزه عن إكمال الطريق، ومنهم مَن فشل بما أوكل إليه من مهمات أو تعهّد بها، ومنهم من قطفها واختفى راضياً بما حقّقه من منجزات، ومنهم من قضى نحبه على الطريق إغتيالاً او بالمصادفة او الخطأ.
لا يبعد الحديث عن هؤلاء بالأسماء والعناوين والمهمات التي أنجزت، عن آخرين يسعون الى هذه الأدوار ويجهدون لإبراز قدراتهم للترقية الى مرتبة وسيط. وهنا تتوسع اللائحة لتخرج من دائرة الشخصيات التي امتهنت أدواراً تحت عناوين تمسّ العلاقات اللبنانية – السورية ليدخل اليها آخرون من جنسيات مختلفة، ولا سيما منها التركية.
ويعترف المطلعون أنّ من بين هؤلاء من يخضع للتجربة منذ أشهر عدة. فمنهم من تعهّد بتوفير أفلام مصورة حيّة لها عبارات – مفاتيح سرية – تُثبت على سبيل المثال لا الحصر – أنّ مطراني حلب يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي ما زالا على قيد الحياة، وذلك بهدف توفير الإقتناع لدى الأطراف المعنية بأنهم قادرون على حمل هذه الصفة ولعب الدور الذي سيُناط بهم.
ففي مسلسل المفاوضات والعروض التي ترافقها، قضايا شائكة ومعقدة لم تعرف الى الآن سبيلاً الى ترجمتها وفيها ما لا ينشر أو لا يمكن نشره حفاظاً على هيبة مقامات ومواقع لئلّا يكون وقعها سيئاً جداً.
ويصنّفهم المعنيون على أكثر من مستوى، وتحديداً عندما يتناول الحديث ما حال دون الإفراج عن بعض المخطوفين وعن أيّ ثمن سياسي أو مادي أو معنوي كان يمكن توفيره وحالت ظروف دونه. مع الإعتراف بأنّه في بعض القضايا لم تظهر بعد هوية الخاطفين ولا شروطهم لأسباب مجهولة – معلومة مرتبطة بطريقة عملهم والأهداف.
ويقول بعض المطلعين إنّ تجربة مخطوفي اعزاز ألقت الضوء على جوانب كثيرة من الأخطاء التي ارتكبها الخاطفون والساعون الى الإفراج عنهم معاً. لذلك، يطبّق الطرفان اليوم بعضاً من التدابير تجنّباً للوقوع في الخطأ مرة أخرى لأنّ بعضها كان قاتلاً. فهناك اوراق كثيرة يجب أن تبقى لتستخدم سلاحاً غامضاً في يد الجهتين على حد سواء.
على هذه الخلفيات تتحفّظ المراجع المعنية عن الكشف عن أسماء كثيرة، فمن بينهم وزراء سابقون ورجال اعمال وقادة حزبيون ومشايخ لبنانيون وسوريون وآخرون يرغبون في تأدية الأدوار الهوليوودية.
لذلك، والى جانب ما هو معلن من معطيات تمسّ بقضية المخطوفين، هناك جوانب أخرى أكثر أهمية تقترب المناورات أحياناً من كشف أجزاء منها وتحجب أخرى لأنها عملية مخابراتية دقيقة جداً وخطيرة في الوقت نفسه، ولا يتقنها إلّا قلائل تحمل اسماءهم لائحة صغيرة في مقابل لائحة أخرى تسعى الى استغلال هذه القضية لأهداف صغيرة ليس أوان الدخول في تفاصيلها، لكن قد يصبح ذلك ممكناً قريباً.