ليس أقسى من المآسي الشخصية للاجئين السوريين سوى المأساة الوطنية التي عنوانها هروب شعب. واللافت في مشهد التدفق على أوروبا، بعد نزوح ثمانية ملايين سوري في الداخل وأربعة ملايين الى دول الجوار، هو تزايد نسبة الشباب بين اللاجئين بما يبدل طبيعة اللجوء بالنسبة الى شعب اشتهر بالوطنية. فالهاربون يصوتون بأقدامهم، حسب التعبير المعروف عن رأي الهاربين بالأنظمة الشمولية وانتخاباتها المزورة. والشباب السوري الذي يواجه خطر الموت والإذلال ويعاني العذاب للوصول الى أوروبا هاربا، لا فقط من الحاضر بل أيضاً من المستقبل، هاربا، لا فقط من عنف النظام وعنف المعارضة المسلحة بل أيضاً من تجنيده وزجه في حرب قادت الى تدمير العمران وتمزيق النسيج الاجتماعي.
وهي حرب لها وظائف تتجاوز ما كانت عليه وما صارت اليه سوريا الى خارطة المنطقة. ولم يعد السورييون أكثرية بين المشاركين في القتال من كل أنحاء المنطقة والعالم. ولا هم وحدهم أصحاب القرار في ما يدور حالياً على الأرض، وما تدار به اللعبة في الكواليس، وما تنتهي اليه الصور في المشهد السوري الملائم للنظام الاقليمي الجديد الذي يعاد رسمه في ضوء الربيع العربي وانتكاساته والخريف النووي والتفاهمات التي فتح الطريق اليها بين أميركا وايران.
وليس في أوروبا سوى حل جزئي لمشكلة اللاجئين السوريين. ولا كان للدور الأوروبي الذي فتح تدفق اللاجئين ملف الحديث على التقصير فيه، قدرة على حلّ الأزمة السورية، بصرف النظر عن الرغبة. ولا أوروبا تتحمل، أكثر من النظام والمعارضين والدول الاقليمية وأميركا وروسيا، المسؤولية عن أزمة قادت الى انتفاضة شعبية للاصلاح الديمقراطي، ثم تحولت بالقمع والعنف واستسهال العسكرة ثورة لاسقاط النظام دخلت في حرب يستحيل ان يربحها طرف واحد.
ومن الغرائب في حرب سوريا انها تبدو عصيّة على الحل السياسي كما على الحل العسكري. ومن الصعب رؤية ما على الطريق، وسط المعلن من الخلاف والمخفي من التفاهم بين أميركا وروسيا، فالأساس في نظرة الرئيس أوباما هو انه لا شيء يمكن فعله لجعل الوضع في سوريا أفضل، كما جاء في المحور الذي نشرته مجلة فورين أفيرز عن أوباما والعالم. لكن الظاهر بل النقلة النوعية ضمن الموقف الروسي الثابت ان الرئيس فلاديمير بوتين يرى ان هناك ما يمكن فعله أقله للحفاظ على ما بقي في اليد ان لم يكن للقضاء على داعش.
والأخطر من الحرب هو تصدير شعب الى بلدان المنطقة والعالم.