هل يعقل تعطيل مصالح الناس بسبب اعتكاف القضاة على خلفية مطالب نحن لا نشكك في صحتها، ولسنا في معرض المفاضلة بين المطالب، إلاّ أنه لا بد من أن نلاحظ ان «الموضة» الضاربة هذه الأيام هي «هيّا الى المعارضة»: المتقاعدون من قدامى القوات المسلحة الذين ملأوا الساحات وأقفلوا المؤسّسات… والموظفون المدنيون، والمعلمون و(…) بحيث لم يبقَ أحد إلاّ جرّب حظه في الاضراب… ما أسهم في تعطيل الحياة العامة في البلد.
عندما يصبح الانسان قاضياً فهو بات صاحب سلطة، ذلك ان القضاء هو السلطة الثالثة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتكاد تكون السلطة الأهم كونها تملك حق الحياة والموت في قضايا كثيرة تعرض عليها.. إنّ السلطة القضائية أشبه ما تكون بسلطة إلهية كون القاضي يملك في يده حياة الناس المتقاضين ومصائرهم ومصالحهم… أي أنّ أحكامه تطاول الارزاق والمعنويات وقد تطاول الأعناق أيضاً في القانون اللبناني ذلك أنه يمكن أن يصدر حكماً بالإعدام: إنها سلطة إلهية… فهل يُضرب الآلهة أو يعتكفون؟
إنّ القاضي المضرب أشبه بالطبيب الممتنع عن ممارسة دوره في إنقاذ مريض… فمهما كانت الظروف موجبة فهل من تبرير لإمتناع الطبيب عن الاهتمام بمريض بين يديه؟
نرجو ألاّ يفهمنا أحدٌ عن طريق الخطأ، فنحن نجل القضاء ونحترمه ونريده مصاناً ونطالب دائماً وأبداً بإبعاد السياسة وأهلها عنه… ولكن هناك وسائل أخرى يمكن اللجوء إليها وليس متعذراً على القضاة أن يجدوها من أجل مطالبهم… أمّا الاعتكاف فمضر، هناك تعطيل لمصالح الناس، وهناك حقوق، هناك أحكام يجب أن تصدر، وهناك جرائم قتل معروضة على المحاكم، وهناك دعاوى يتحدد فيها مصير أفراد وجماعات وشركات، وجرائم اعتداء على قاصر… وهناك انتهاك حقوق وأعراض… أي أنّ القاضي يتعامل، بسلطانه وسلطاته، مع كل نواحي الحياة البشرية تقريباً.
وعليه، فلا يجوز أن تتوقف هذه المصالح كلها لأنّ القضاة معتكفون، ولأنّ اعتكافهم يطول.
في الوقت ذاته، العسكريون والامنيون عليهم مسؤولية وطنية، وهم المثل والمثال، ونحن أيضاً لسنا ضدّهم، ولا ضد مطالبهم المحقة… إنما نحن ضدّ تعطيل مصالح الناس خصوصاً أنهم قطعوا الطرقات وأقفلوا مداخل المؤسّسات العامة.
عوني الكعكي