كل من شارك في وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، قام بدور يحسب له وهو جزء من واجبه الوطني، ولا ينبغي ان يتجاوز ذلك الى طلب المكافآت والجوائز. في السياسة، يمكن لأي طرف أن يحلل الأمور على كيفه، ويضع أذن الجرّة في المكان الذي يريد، وان ينسب كل الفضل أو نصفه أو جانبا منه لنفسه… ولكن الحقيقة التاريخية المجرّدة هي أن من أوصل عون الى رئاسة الجمهورية هو عون نفسه أولا وأخيرا. صحيح انه ما كان ليصل لولا انه استعان بصديق، ولكن الصحيح أيضا، هو أنه أحسن اختيار الصديق في التوقيت المناسب. كما انه نجح في وضع الخصوم والمنافسين على طريق يبدأ واسعا ويضيق باستمرار ويحشرهم في نهاية المطاف، وآنذاك يشقّ لهم قادومية توصلهم اليه، عندما يصطدمون بالجدار في نهاية الطريق المسدود!
***
من هذا المنطلق، فان من شارك في ايصال عون للرئاسة دون أن يطلب شيئا لنفسه، فهو الصديق الصدوق والوفي. وأما من يتدلل ويمنّن ويطالب بالمقابل وبالمكافأة الآن، فانه بمثابة من يأخذ ما لا يستحق. والحقيقة الخالصة والصافية، هي أن العماد عون صادق الأصدقاء الحقيقيين، ولكنه وضع خصومه الأقدمين والطارئين في زنقة أوصلتهم اليه في النهاية، ولم تضطره الى الذهاب للوصول اليهم… وعلى هذا الأساس لا يحق لأحد التدلل على العهد اليوم ولاحقا، باسم رفقة الدرب، خلال الأمتار الأخيرة من رحلة النضال الطويلة! واذا كان لأحد أن يرفع سقف مطالبه اليوم بذريعة رحلة الأمتار الأخيرة الى الرئاسة، فعليه، بشيء من الواقعية والترفّع الانتظار الى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، على أساس قانون عادل ومنصف للجميع، وبعدها يبني على الشيء مقتضاه عند تشكيل حكومة العهد الثانية بعد الانتخابات!
***
هل وعد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأكثر مما يستطيع الوفاء به، في خطابه من مطلّ بيت الشعب متوجها الى شعب لبنان الأعظم؟ هذه المسيرة الشعبية الحاشدة – وان طغى عليها اللون البرتقالي – هي في الواقع جزء لا يتجزأ من عدّة الشغل عندما كان القائد يخوض معاركه السياسية، وهي ستصبح جزءا من صلاحيات القائد بعدما أصبح رئيسا للجمهورية! وعندما وعد في خطابه بأكثر مما يعتقد البعض قدرته على تحقيقه، كان يعني ما يقول، ولم يكن ذاهلا عن تعقيدات الواقع السياسي اللبناني ومكائده. وفي أعماق نبض الوجدان العوني ان التغيير حصل بوصوله الى رئاسة الجمهورية، وانه لا بد من الاصلاح مهما طال السفر!
***
آخر ما يرغب فيه قارئ السياسة هو اصدار توقعات على طريقة مشؤومة الذكر ليلى عبداللطيف. غير ان القراءة في مسيرة عون الطويلة تفيد بامكانية ان يتغيّر الرئيس في الشكل والأسلوب واللين لبعض الوقت من انطلاقة العهد. غير انه عندما يصطدم واقع الاصلاح بكواسر الفساد، فان عون الثائر الكامن في أعماق عون الرئيس، سينتفض مرة أخرى، مستخدما هذه المرة أسلحة الرئاسة لتضاف الى سلاح الزحف الشعبي! وهذا قد يحدث في زمن يتراوح بين ثلث العهد ومنتصفه… حمانا الله من توقعات ليلى عبداللطيف!