يخطئ من يتصور ان الحراك الشعبي سينتهي وكأن شيئا لم يكن، لاسيما ان ما تعرض له المتظاهرون لا يفهم منه وانهم قد تأثروا بطريقة مكافحتهم المفرطة في بعض اوجهها، وهذا ليس بوسع احد الزعم بان التعدي للمتظاهرين جاء كنتيجة طبيعة لطريقة تطرفهم المشبوه في جانب منه كما دلت الوقائع التي صورت في ارض المعركة (…).
لقد قيل في هذا الصدد، ان محاسبة قوى الامن الداخلي والعسكريين لم تكن بحسب ما ارتكبوه من مخالفات اعتبرت في جانب منها وكأنها تجاوزت الحدود التي كانت تستوجب وقف الحراك بمختلف طريقة ممكنة لاسيما ان الناشطين الحقوقيين والمدافعين المحليين والاجانب عن حقوق الانسان وحرية التعبير وصونا لها من دون حاجة الى التوقف عند نوع الجنحة التي تستوجب حالا قانونية النية وليس مجرد الاعتداء على السلامة العامة والامن والاستقرار العام، طالما ان ذلك يتنافى مع ابسط الحقوق الانسانية!
ومن ضمن الدلالات على بشاعة الكبح المفرط للمتظاهرين ان الذين اوقفوا جراء التظاهر تخطى العشرات ومعظم هؤلاء قد اصيب بجروح وكدمات فيما لم يتعد عدد المصابين من العسكريين السبعة بحسب معلومات قوى الامن الداخلي اضف الى ذلك ان هناك معتقلين بالعشرات لا يزالون يخضعون للتحقيق في سياق الوضع الذي هم فيه قيد الاعتقال، وهذا من ضمن المآخذ على السلطة، خصوصا ان معالجة المصابين وهم قيد التوقيف لا يزال ساري المفعول وهو عمل لا قانوني!
ومن الضروري عدم فهم ما تقدم بانه دفاع عن الغوغاء، الذي ظهر من بعض المتظاهرين ممن تأكدت تصرفاتهم المشينة بالصوت والصورة، اضف الى ذلك ان اي كلام على ان مكافحة التظاهر سيزيد في تفاقم الحراك الشعبي، فضلا عن ان هناك اكثر من سابقة تؤكد ذلك، من غير حاجة للدخول في الاسماء والتفاصيل والارقام طالما ان النتيجة تبقي واحدة، هذا في حال لم تتطور الى ما فيه الاسوأ امنيا (…)
واذا كان ثمة تساؤل عن نتائج الحراك، هناك من يجزم بأن التظاهر السلمي لن يوصل الى نتيجة لمجرد انه ظل بمنأى عن التأييد السياسي والحزبي بدليل ما كان يحصل ايام سطوة الاحزاب، ولنأخذ مثلا على ذلك غياب حزب الله عن التظاهر نظرا لما فيه مصلحته، والمثل ينطبق على القوات اللبنانية القادرة على تحريك الشارع عن حق او عن باطل، وهيهات ان تبقى الاحزاب المؤثرة بعيدة من الشارع كي لا تتطور الامور الى ما فيه اسوأ كثيرا مما حصل (…) لاسيما ان الحال المطلبية تخص اكبر شريحة من اللبنانيين، ان بالنسبة الى النفايات او بالنسبة الى الكهرباء والمياه؟!
لذا، من الواجب والضروري التحسب لما هو اسوأ كي لا تتطور الامور الى ما يفهم منه ان هناك من لا يحسب حسابا لمصلحة عامة من شأنها الاضرار بالسلم الاهلي الذي من الواجب اخذه في الاعتبار، من غير حاجة الى التوقف عند ما يثار من الناحيتين القانونية والدستورية، اضف الى ذلك ان الحال السياسية بالنسبة الى احتلال مرفق عام لم يتم بوسائل عنيفة؟
ولجهة الاهتمامات الاخرى من الواجب والضروري ان تفهم الدعوة الى الحوار غير الامور السياسية التي لحظتها الدعوة، وفي مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية واجراء انتخابات نيابية، طبعا بعد التفاهم على نوعيتها، لكن ليس بوسع المتحاورين تجاهل مطالب المتظاهرين ان تم بحثها في مجلس الوزراء او في جلسات الحوار، طالما ان مطالب الحراك تقع في صلب ما هو مطلوب بحثه واقراره (…)
اما الذين طوروا مطلب استقالة وزير البيئة فهؤلاء لو كان لهم مطلب مماثل في دولة تحترم نفسها لما تأخر معاليه عن تقديم استقالته، لاسيما ان وزير البيئة محمد المشنوق لا يد له في المشاكل المثارة في الشارع، كونها ازمات معاشة منذ سنين طويلة، اضف الى ذلك ان حراك الشارع جاء احتجاجا على من لم يقم بواجباته، اي الحكومة كلها ومجلس النواب ككل، وكل من له علاقة بالسلطة وليس محل خلاف عليها من الجميع على السواء؟!