Site icon IMLebanon

مَن يضمن انتخاب رئيس بواسطة مجلس جديد إذا لم تتقرر إلزامية حضور النائب؟

اذا كان مجلس النواب المنبثق من انتخابات أجريت على أساس قانون الستين عجز عن انتخاب رئيس للجمهورية لأن نواباً أجازوا لأنفسهم حق التغيّب عن جلسات الانتخاب ومن دون عذر مشروع خلافاً للدستور ليحولوا دون انتخاب الاكثرية رئيساً لا يعجبهم، فهل يكون في استطاعة مجلس نيابي جديد منبثق من القانون نفسه أو من أي قانون آخر انتخاب رئيس اذا ظل للنائب حق التغيّب عن جلسات الانتخاب من دون عذر مشروع لا لشيء سوى لتعطيل نصابها خدمة لمصلحته أو لمصلحة خارج؟

لذلك فإن المطلوب قبل أي أمر آخر هو جعل حضور النائب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ملزماً كي لا يظل هذا الانتخاب معرّضاً للتعطيل لأسباب شتى ولغايات سياسية وغير سياسية، وإلا فإن معالجة أزمة الشغور الرئاسي تكون بإزالة أسبابها وليس بمعالجة نتائجها.

أما إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية فلها محاذيرها كما للانتخابات البلدية والاختيارية قبل النيابية انعكاسات على نتائجها، لذلك يفضل النواب غالباً اجراء الانتخابات النيابية قبل البلدية، بدليل أن نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية الحالية أخذت تنعكس على صورة بعض التحالفات وعلى شكل تأليف اللوائح النيابية المقبلة.

لذلك ينبغي وضع نص صريح يلزم النواب حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس وعدم التغيّب عنها إلا بعذر مشروع، وان مجرد التعهد شفهياً أو حتى خطياً بالحضور لا يكفي لأن من يخالف الدستور مستعد لأن يتراجع عن أي تعهد. فإذا لم تقرر الزامية حضور النائب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس، فإن البلاد ستواجه في كل استحقاق ما تواجهه اليوم مع نواب أصحاب “الضمائر الحية” بالتغيب عن الجلسات من دون عذر مشروع لا لشيء سوى خدمة لخارج أو لمصالح سياسية وحزبية ضيقة وإن على حساب مصلحة لبنان العليا، فيتكرر تعطيل الجلسات الرئاسية بعد الانتخابات النيابية.

أضف أن إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية يجعلها معركة شرسة بين الأحزاب المتنافسة لأنها تتحوّل معركة رئاسية من خلال الانتخابات النيابية، وهذا ما حصل غير مرة في الماضي وجعل الخلاف يشتد على قانون الانتخاب كي يأتي على قياس من يريد الفوز بأكثرية المقاعد النيابية لتنتخب هذه الأكثرية رئيس الجمهورية ورئيس المجلس وتشكيل الحكومة. فانتخابات عام 1947 جاءت نتائجها مزورة بهدف التجديد للرئيس الشيخ بشارة الخوري. وفي انتخابات 1951 رُفع عدد النواب من 55 الى 77 وجرت وفقاً لدوائر تراعي الجهة السياسية التي تريد الفوز بأكثرية المقاعد. وفي عهد الرئيس كميل شمعون تقرر خفض عدد النواب من 77 الى 44 بدعوى رفع مستوى التمثيل الشعبي، وقد اعتمدت في الانتخابات الدائرة الفردية المصغرة ومنحت المرأة، للمرة الأولى، حق الاقتراع والترشح. وفي انتخابات 1957 رفع عدد النواب من 44 الى 66 واعيد النظر في تقسيم الدوائر على نحو يؤدي الى إسقاط زعماء يعارضون التمديد للرئيس شمعون أمثال صائب سلام وكمال جنبلاط.

وفي عهد الرئيس فؤاد شهاب رفع عدد النواب الى 99 واعتمدت في الانتخابات الغرفة العازلة. وفي عهدي الرئيس شارل حلو والرئيس سليمان فرنجية اعتمد القانون الذي وضع في عهد الرئيس شهاب. وفي أيار 1976 تقرر التمديد لمجلس النواب حتى 30 حزيران 1987 بسبب الحرب الداخلية، وتكرر التمديد للسبب ذاته حتى كانون الأول 1989، وانتخب المجلس المدد له رينه معوض رئيساً، وبعد اغتياله انتخب الياس الهراوي خلفاً له. وعند وضع اتفاق الطائف رفع عدد النواب الى 108 وتوزع مناصفة بين المسلمين والمسيحيين باضافة 9 نواب على العدد 99. وتم بصورة استثنائية تعيين 40 نائباً لملء المقاعد النيابية الشاغرة. وفي ايار 1992 رفع عدد النواب الى 128 مع تعديلات في تقسيم الدوائر. ولم تعتمد في انتخابات 1996 معايير واحدة في تقسيم الدوائر ما جعل نواباً يتقدمون بـ17 طعناً أمام المجلس الدستوري، فقبل أربعة منها مبطلاً نيابية النواب: فوزي حبيش، هنري شديد، خالد الضاهر، اميل نوفل. والسؤال المطروح الآن هو: هل في الامكان التوصل الى اتفاق على قانون جديد للانتخابات يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب واجياله مع المحافظة على الانصهار الوطني، أم أنه من الصعب التوصل الى هذا الاتفاق لأن أحزاباً تريد معرفة نتائج الانتخابات وفق أي قانون قبل اجرائها، وأن تعرف أيضاً من يكون رئيس الجمهورية من خلال هذه النتائج، ولأن أحزاباً يتغلب فيها الشعور المذهبي والطائفي على الشعور الوطني ولا يهمها وضع البلاد مرة أخرى بين خيارين أحلاهما مر: اجراء انتخابات على أساس قانون الستين، أو مواجهة الفراغ التشريعي بعد الفراغ الرئاسي والفراغ الحكومي، أي جعل لبنان ينتقل من وضع سيئ يعيشه اليوم الى وضع أسوأ بل قاتل. فهل يكون الحل الوسط الاتفاق على قانون لا تجرى الانتخابات على أساسه إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية ليكون له رأي فيه ويقترن بتوقيعه؟