Site icon IMLebanon

من يضمن تنفيذ «التفاهمات الثنائية» بين الحريري وعون؟

لا يمكن لأيّ مراقب أن يتجاهل عملية الفرز الجديدة التي تسبَب بها توجّه الرئيس سعد الحريري الى تزكية العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. فزاد الى رصيده ما له من «حزب الله» و«القوات اللبنانية» في مواجهة بوادر حلف يؤيّد النائب سليمان فرنجية ولن يسمح له بالنزول وحيداً الى ساحة النجمة لإتمام الإستحقاق. وهو ما طرح السؤال عن هوية «البلدوزر» التي ستفتح الطريق الى القصر؟

بات من شبه المؤكد أنّ تزكية الحريري، لعون، لن توصله الى قصر بعبدا مباشرة. فتوازن القوى النيابية المفروز حديثاً لن يكون حاسماً ما لم يتوافر مَن له القدرة على لعب دور «البلدوزر» ليكسح مجموعة الألغام والأفخاخ المنصوبة أمامه على الطريق من الرابية الى بعبدا.

فالطريق مليئة بالأفخاخ والمطبات العالية، وقد نُصبت على ما يبدو عند مفارق عين التينة وكليمنصو وبنشعي ومواقع أخرى ستظهر لاحقاً. ولذلك لم يعد خافياً أنّ مبادرة الحريري بالشكل والتوقيت الذي سيُعتمد قد تسببت بمزيد من الشروخ بين أهل البيت الأزرق أوّلاً، وفي صفوف الحلفاء وحلفاء الحلفاء القدامى والجدد نتيجة التقلبات في مواقفه التي توالت منذ أن جعلت من العام 2014 موعداً لترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وفي العام 2015 لترشيح فرنجية الى أن رست عام 2016 على عون.

توحي خريطة المواقف المتوافرة، المعلن منها والمخفي، أنّ أمام اصحاب المبادرة ومَن سيرحب ويتبنّاها مهمات شاقة لتوسيع مروحة التفاهمات سعياً الى الأوسع ممّا هو قائم منها الى اليوم، خصوصاً تلك الثنائية التي استفزّت الآخرين ممّن تجاهلتهم أو تجاوزتهم.

فتذليل العقبات الموجودة مهمة ليست سهلة إطلاقاً، وبعض المواقف منها قد يكون نسَف جسور العودة الى الوراء وأعاق إمكان أن تحقق أيّ مبادرة في المستقبل جدواها، وهو ما يعقّد الأمور ويعيدها الى مربَّع خلفي، فموازين القوى لم تتبدل بشكل جذري وكبير وحاسم.

من هذه المنطلقات، تزداد نسبة الشكوك في إمكان معالجة كلّ العوائق في الفترة الفاصلة عن جلسة 31 تشرين الأول، خصوصاً أنّ من بينها عائقين كلّ واحد منها بقياس جبل. أحدهما يتجلّى في إصرار فرنجية على الإستمرار في ترشحه الى النهاية ولو بقي الى جانبه نائب واحد ما يعطل إمكان مشاركة عون فيها.

والرئيس نبيه برّي الذي يتصرّف على خلفية «عرَف الحبيب مكانه فتدلّل»، عندما كشف مبكراً عن موقفه وعبّر عنه مجدّداً أمام زواره أمس بقوله «سأحضر جلسة الانتخاب وأصوّت ضد عون ولو كنتُ راغباً في التعطيل لديّ أسلوبي»، مضيفاً في نفيه الحديث عن الثنائية السنّية – المارونية أنه «لم يتحدث بأمور طائفية».

كان برّي واضحاً بتجديد هذا الموقف امس بعد ما عبر عنه أمس الأول معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل، وزاد من جديته أنه بات معطوفاً على نوع من الغضب والحرد في آن. فهو لم ولن يستقبل وفق المعطيات المتوافرة حتى ليلة أمس الحريري وعون أو مَن ينوب عنهما تزامناً مع معلومات لم ينفها أحد عن رفضه استقبال وزير الخارجية جبران باسيل للأسباب عينها.

وعليه، ليس مستغرَباً أن يتوقف المراقبون عند هذه المحطة من المواقف والإتصالات السلبية، في انتظار مَن يتبرّع بدور «البلدوزر» ليقوم بعملها في كسح الألغام وإزالة العوائق، فاتجهت الأنظار الى «حزب الله» الذي كانت أوساطه تقول «إنه لن يتحرّك في أيّ إتجاه قبل أن يقول الحريري كلمته في الإستحقاق». ولكن إذا صحّ ما تسرّب أمس عن مصادر قيادية فيه، فإنه لن يلعب مثل هذا الدور.

وهو لم ولن يتدخل تاركاً لعون والحريري ومَن يعنيه الأمر أن يقوم بما عليه من خطوات سواءٌ لترميم العلاقة بينهما وبرّي من جهة، أو بينهما والنائب وليد جنبلاط على حد سواء. وأنه في المقابل لن يكون في موقف يواجه فيه حليفه في الثنائية الشيعية إطلاقاً ومَن يسعى الى هذه الواقعة سيحصد الخيبة.

على هذه الأسس، يمكن فهم حجم العقبات التي تحول دون استكمال المراحل التي تفرضها العملية الإنتخابية تحضيراً لجلسة الإنتخاب المقبلة، وهو ما قد يؤدّي الى استهلاك الوقت الفاصل عنها بمزيد من المراوحة من دون أيّ إنجازات تعدّل في ما هو منتظر من تكرار لبعض المواقف التي لا تحسم هذا الإستحقاق.

وما زاد الطين بلة أنّ «حزب الله» لا يعتبر نفسه ملتزماً بما قطعه كلّ من عون أو الحريري من التزامات واتفاقات مسبقة، لذلك وجب على أيّ مراقب أن يشطب من لائحة التفاهمات كلاماً عن استمرار الحريري في رئاسة الحكومة طيلة العهد المقبل وهو ما زرع مزيداً من الشكوك في أوساط محازبيه الذين سألوا عن ضمانات من اليوم تبقيه في السراي. وزادوا: ما الذي يضمن بقاءه في السراي أكثر من الفترة الفاصلة عن الإنتخابات النيابية المقبلة؟

وإذا صحّ توعّد بري بعدم المساهمة في تشكيل الحكومة الأولى للعهد، هل سيكون مستبعداً أن تشرف حكومة الرئيس تمام سلام على هذه الإنتخابات في ظلّ عجز الرئيس المكلف عن إنجاز تشكيلته الحكومية؟

وهل إنّ الحريري يضمن فوزه بالأكثرية في الإنتخابات النيابية المقبلة إذا ما بقيت المعادلات على ما هي عليه؟ وما المستغرَب إن ردت الأكثرية الأخرى الجميل في الإستشارات النيابية الملزمة بتسمية شخصية أخرى من «14 آذار»؟ فهم كثر إن لم ينجز الحريري الإستحقاق بترميم علاقاته الداخلية حتى في البيت الأزرق.