بعيداً من الطبخة الرئاسية التي قد تكون ثمرة تسوية بين فريقين كبيرين تمضي معهما الامور عندما يتفقان، وتتعطل الدولة ومعها الحياة عندما يختلفان، من غير أن يقيما اعتباراً لأحد في كلا الحالين، يثير وضع أهالي العسكريين المخطوفين الشفقة، لأن آلامهم تتفاقم يوماً بعد آخر، وهم قابعون في خيمة المجهول، يترقبون خبراً من هنا، وشائعة من هناك، ولا يجدون من يقف على خاطرهم، أو يزورهم، أو يطمئن قلوبهم.
لا نقول إن الدولة أهملت ملف هؤلاء العسكريين، بل الحقيقة انها تبذل ما في وسعها لإطلاقهم، وتحديداً أولئك الذين لدى “جبهة النصرة”، ذلك ان تنظيم “داعش” الأكثر إرهاباً لا يفاوض، وبات مصير العسكريين لديه مجهولاً. لكن الدولة تجد صعوبة بالغة في انهاء هذا الملف بالايجابية المتوخاة، لأن الفريق الآخر لا يعدو كونه عصابات إرهابية وتكفيرية، أي مجموعة من اللصوص والمجرمين، يزداد التفاوض معهم صعوبة كلما اقترب الحل، ربما لأنهم لا يملكون قرارهم، أو لأنهم برؤوس كثيرة وقرارهم ليس مركزياً في هذا المجال.
المشكلة عندنا لا تكمن في التفاوض، بل في التسريبات التي ترافق العملية كل مرة، ثم يتهم الإعلام، كأنه يأتي بالأخبار من عندياته. من أين له أن يعرف الأوقات والأزمنة والأمكنة ما دام التفاوض سرياً والقنوات سرية؟ تماماً كما يجري عندما يدلي أحدهم بتصريح حاد ثم يتراجع عنه بعد عتاب، مدعياً أنه مجتزأ أو محوّر.
ما يهمنا هو عدم التلاعب بمشاعر الأهالي، المقهورين أصلاً، الذين لم يغمض لهم جفن منذ أيام، بل منذ أشهر، وهم يترقبون تطوراً ما، ويمسحون الدمع في كل صباح ومساء. حرام المتاجرة بقضيتهم وبأوجاعهم.
والحال في لبنان لا تقتصر على هؤلاء، بل تتخطاها الى مشاهد الحرب، الضحايا والمصابين الذين تمزق أجسادهم المتفجرات، فنرى عبر شاشاتنا رؤوساً تتطاير، وأيادي وأرجلاً مقطعة، في مشاهد مقززة لا تحترم رهبة الموت، وحرمة الانسان وخصوصيته.
حتى القرارات السياسية في لبنان لا تحترم القاعدة، ولا تتيح للناس التعبير، ما دام هؤلاء لا يجرؤون على المحاسبة أو على الرفض، فتأتي القرارات اسقاطات، وغالباً ما يرافقها تهديد ووعيد وفصل من الأحزاب لمن يجرؤ على قول كلمة “لا”.
أما رسمياً، فحدث ولا حرج، وتكفي اللبنانيين حالياً النفايات التي أغرقوا بها والتي تلوّث هواءهم ومياههم الجوفية، وتسمم كل حياتهم، لندرك حجم الاستهتار بهم، وقلة الاحترام، والاستهانة بحياتهم وكراماتهم.