Site icon IMLebanon

من يجرؤ على مغادرة طاولة الحوار ومن يتحمّل المسؤولية؟

هل يكون حوار “حزب الله – تيار المستقبل” هو ضحية هذا السجال السياسي والاعلامي العالي اللهجة والمنطوي على الكثير من الاحتمالات الخطرة، والذي يشهده الداخل والاقليم على خلفية الحدث اليمني او على وهج ناره الحامية؟

سؤال بات مطروحا بالحاح بجدية مذ ظهر جليا هذا التمايز الحاد في المواقف بين فريقي الحوار حيال الحدث المستجد في اليمن والذي دخل اسبوعه الثالث، ولا سيما منذ تكفل “التيار الازرق” مهمة الرد على الحملات الشرسة التي يبادر الحزب الى شنها على السعودية ودورها في الحرب على اليمن، وهو تمايز تجلى أكثر ما يكون خلال الساعات القليلة الماضية في الرد الذي أطلقه الرئيس سعد الحريري على الكلام الاخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله.

على وقع هذا الصخب الاعلامي والسياسي والمفتوح على الاحتمالات الاكثر حماوة يمكن القول ان حوار عين التينة الذي انطلق في كانون الاول المنصرم وقطع أشواطا لا بأس بها، يخضع الان لأقسى امتحان في سلسلة الاختبارات القاسية التي تعرض لها منذ كان فكرة، الى درجة ان راعي هذا الحوار والعين الساهرة عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري خرج خلال الساعات الماضية عن تفاؤله الحاسم باستمراره ليفصح عن جملة مخاوف وهواجس من ان تذروه رياح الصخب العاتية المتأتية من الحرب في اليمن، وليضع امام طرفي الحوار تصورا لادامته في الجلسة المقررة مساء الثلثاء المقبل يقوم على فكرة تهدئة السجال الاعلامي بعدما أطلق كل طرف اقصى ما في جعبته الى حد أنه لم يعد هناك من كلام مباح او متاح.

إذاً كل المعطيات تشي بأن الحوار ولج عتبة مرحلة الاختبار الصعبة، وأن حظوظ انفراط عقده توشك ان تعادل حظوظ مضيه قدما. وعليه فالايام الاربعة المتبقية على موعد جلسته التاسعة في مقر الرئاسة الثانية ستكون بمثابة الفيصل والميزان، فاذا ما انعقدت وقرر الطرفان المتحاوران تجاوز تداعيات سجال الايام الاخيرة فهذا مؤشر لأمرين اثنين:

الاول، إن مقولة سعي الطرفين الى عزل الحوار والحكومة الحالية عن صدمات الخارج وفكرة تحصينه عن تأثيرات التطورات الآتية من خارجه، قد نجحت مجددا وان الرهان عليها ولا سيما عند بري كان في محله.

الثاني، ان طرفي الحوار نجحا بشكل او بآخر في تقديم برهان عملي على ان المرجعيتين بمقدورهما المضي قدما في خيار الحوار بعيدا من الصدام المباشر غير المسبوق بين المرجعيتين الاقليميتين لكل منهما اي السعودية وايران، أو أن هاتين المرجعيتين تريدان ان يكون هذا الحوار المحطة الاخيرة من محطات ربط النزاع بينهما بالواسطة.

ويبدو جليا ان ما زاد منسوب الخوف على مستقبل الحوار عاملين أساسيين لدى “حزب الله”: الاول ان الحزب مصر على أوسع حملة تضامن مع التحالف العريض المعادي للسعودية في اليمن الى درجة انه يتصرف وكأنه جزء من المواجهة هناك. والثاني ان الحزب قد اتخذ قرارا يقضي بالرد على كل هجمة عليه من الداخل او الخارج، وهو في جوهره ارتداد عن قرار سابق يقضي بتجاهل الحملات عليه.

ومع ذلك، فان دوائر القرار والتحليل في الحزب ما برحت عند قراءة للحوار تنهض على الاسس الآتية:

– ان الحزب، ورغم كل ما حصل أخيراً، ما زال منفحاً على الحوار ومستعداً للمضي قدماً فيه وأنه لن يكون تحت أي ظرف من الظروف هو المبادر إلى الخروج من دائرته.

– أما الكلام الضمني للحزب عن الحوار فهو أننا متمسكون بالحوار ومستعدون للتغاضي عن بعض الاساءات والهجمات في سبيله، ولكن اذا اقتضت حسابات الطرف الآخر الخروج من الحوار أو تجميده والذهاب الى دوائر اشتباك بديلة، فعليه أن يتحمل هو تبعات ذلك القرار وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج معروفة أو محتملة، خصوصاً أن الحوار وعلى مدى الأشهر الخمسة التي انقضت على بدئه قد أرسى الى حد ما نوعاً من معادلة جديدة لا يمكن الخروج منها بسهولة”.

– ثمة مقربون من الحزب وجدوا في مبادرة الرئيس سعد الحريري الى الرد على الكلام الأخير للسيد نصرالله وبهذه الوتيرة واللهجة حدثاً له ابعاد تتصل بتصوير الأمر وكأنه إشكال داخلي، علماً أن الحزب يجد نفسه بوضوح انه في موقع الشريك المؤثر في اللعبة الاقليمية الكبرى ويعي جيداً قيمة ما يطلقه رمزه الأول من مواقف، ويعي أيضاً ان في كلام سيده رسائل تتعدى نطاق الساحة اللبنانية وتتجاوز حدود التناقضات الضيقة فيها.

وفي كل الأحوال، ما من شك في أن المرحلة الاقليمية صعبة للغاية، وأن “اللعبة” فيها تضخمت الى حدود غير مسبوقة ومألوفة. ومع ذلك ثمة من لا يزال يرى أن حوار عين التينة واستمراره ضرورة قصوى لطرفيه يصعب عليهما الى درجة الاستحالة الخروج منه، كما هو ضرورة لتوازنات الساحة ومكوناتها في هذه المرحلة التي يقر الجميع بحساسيتها وبأنها تضع البلاد في عين العاصفة.

أما اذا فرضت ضراوة المعركة الاقليمية التي تبدو انها بلا أفق على طرفي الحوار أو على أحدهما مبارحة طاولة الحوار، فلا شك في أن الساحة الداخلية ستجد نفسها ساعتئذ أمام مرحلة من القلق والتوتر.