IMLebanon

من يكرّس المناطق اللبنانية ملكيات خاصة للأحزاب؟

الحكومة تملأ الفراغ بالتبشير: لامركزية سياسية للنفايات!

من يكرّس المناطق اللبنانية ملكيات خاصة للأحزاب؟

«النفايات». الكلمة السحرية التي تستحوذ على يوميات اللبنانيين منذ أربعة أشهر. يصحون على ازدياد أطنانها وينامون على وعود بإزالتها، قبل أن يروها تسبح في الشوارع وبين البيوت، ويسمعون رئيس حكومتهم يواجه المصيبة باتهام الناس بفبركتها! ما حصل أن الأطنان صارت مئات الأطنان، والخطة صارت عشرات الخطط.. التي تبقى حدودها الأوراق التي كتبت عليها.

هل من دليل أكبر على فشل السلطة؟ من استسهل التلاعب بأعصاب اللبنانيين وصحتهم، ساعياً إلى استغلال النفايات في لعبة سياسية مالية، اكتشف سريعاً أن خططه غرقت في جبال النفايات التي غيرت تضاريس البلد. مع ذلك، وبعد كل الفضائح التي يمكنها أن تُسْقِط حكومات ومجالس نيابية في أي بلد يحترم نفسه ويحترم شعبه، ظلت النفايات وملايينها حلماً يراود معظم الطبقة السياسية.

لم يستقل الرئيس تمام سلام ولم يعتكف، بالرغم من تهديده الدائم بذلك. صارت قصة اعتكافه نكتة يتداولها سياسيون ومواطنون. وانتهت فترة السماح التي أعطاها الوزير أكرم شهيب للقوى السياسية لتتحمل مسؤولياتها ولم ينسحب من الملف. ها هو الخميس انقضى من دون أن «يعقد مؤتمرا صحافياً يكشف فيه المستور ويسمي الأشياء بأسمائها». ما حصل كان معاكساً. بدت المواقف سلسلة موحدة. فجأة وبعد أربعة أشهر من المراوحة أُعلن أن الحل قريب. تكثفت الاجتماعات وبثت الإشارات الإيجابية من كل صوب، حتى كاد اللبنانيون يصدقون أن الفرج صار قريباً.

أعلن شهيب أن الأمر سَيُحَلُّ خلال 48 ساعة. ومع افتراض أن ذلك صحيح، هل يجب على اللبنانيين أن يحتفلوا بالانجاز المفترض بحجة التركيز على النصف الملآن من الكوب؟ بمعنى آخر، هل المطلوب أن تمر فضيحة النفايات كغيرها من الفضائح من دون مساءلة؟ السؤال الأساسي لا يتعلق بالفترة المتبقية لمعالجة الملف، إنما بالفترة التي ضاعت من دون البحث جدياً عن الحل. ما الذي كان يعيق الحل ولماذا؟ ومن أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه؟ ومن المسؤول عن إغراق اللبنانيين بالنفايات، وربما قريباً بالكوليرا، على ما يبشر السياسيون أنفسهم. وماذا حصل ليصبح الحل ممكناً؟ ثم هل المطلوب التهليل للطبقة السياسية التي اكتشفت الحل أم استجوابها وربما محاكمتها على تجاهل هذا الحل طيلة الفترة الماضية؟

طبعاَ كل ذلك مبني على افتراض أن الفرج صار قريباً. إلا أن الإشارات الإيجابية تقابل بإشارات سلبية جداً. ثمة من يجزم أن «كل ما يجري ليس واقعياً، بل هو مسرحية جديدة من تنفيذ السلطة العاجزة نفسها، فلا مسألة المطامر حلت ولا مجلس الوزراء سيجمتع قريباً». وإذا كان وزير التربية قد بشر بإيجابيات طرأت ستعيد خطة شهيب إلى المتن كسروان، فإن في «التيار الوطني الحر» نفسه من يسخر من الإيجابيات التي يتحدث عنها أبو صعب. في الأساس لم يفهم هؤلاء كيف عادت الخطة إلى النقطة الصفر. وكيف صار المتن وكسروان ضمن المعادلة منذ يومين فقط، ولماذا لم يكونا مطروحين في السابق؟ قبل أن تجزم المصادر أنه حتى الآن لا صحة لكل ما يقال عن مطامر في المنطقتين، لا بل أكثر من ذلك، فإن «كل التعديلات التي تشمل المنطقتين مرفوض».

ما الذي يحصل إذاً؟ ثمة من يخشى أن تكون هذه الخطوات «مجرد فقاعة إعلامية هدفها القول إن هذا الحزب أو ذاك هو المسؤول عن التعطيل»، خاصة أنه «لم يطرح بعد أي اقتراح أو حل عملي». الأغرب، بالنسبة لمصدر متابع، العودة إلى الحديث عن اجتماع قريب لمجلس الوزراء وعن حلول للنفايات لكن من دون الدخول في التفاصيل. قيل الكثير عن اقتراح للرئيس نبيه بري أعطى الأمل بنجاح الخطة، لكن أحداً لم يعلن ما هو هذا الاقتراح. قيل إن المشكلة تكمن في إيجاد مطمر شيعي مقابل مطمر سرار، فوجدت «أمل» و «حزب الله» مطمراً في البقاع لكن أحداً لم يعرف مكانه. ثم فجأة قيل إن المطلوب أن يكون «كل ديك على مزبلته صياح»، فأضيفت إلى الخطة مطامر في الشوف وعاليه والمتن وكسروان والجنوب… التعديلات على الخطة تجري على مدار الساعة، لكن الواقع أنها تعود إلى النقطة الصفر.

طُيفت النفايات ومُذهبت ورُميت عند الفقراء في عكار والبقاع الشمالي، قبل أن يتذكر الجميع اللامركزية، لكن على الطريقة اللبنانية. المفهوم اللبناني للامركزية معكوس. هو ليس إنمائياً بل سياسي. لماذا على «حزب الله» و «أمل» و «الاشتراكي» و «التيار الوطني» و «الكتائب» و «المستقبل».. إيجاد المطامر؟ هل هؤلاء يملكون البقاع والمتن والشوف وعكار..؟ ثم، كيف يكثر سلام الشكوى من عدم تعاون الأحزاب، وهو يسعى، في الأساس، إلى تكريس مناطق نفوذها. أليس من الأفضل بدل استجداء الأحزاب اللجوء إلى الجهات المعنية بالملف، أي البلديات، حتى لو كانت محسوبة على هذه الجهة أو تلك؟

قالها الحراك المدني ويكررها: لا حل لمشكلة النفايات بدون العودة إلى صاحبة السلطة، أي البلديات، وهذه العودة لا تكون شكلية إنما فعلية، تبدأ أولاً باستقلالها مالياً، وهو ما لا يتم سوى بفتح حساب خاص للصندوق البلدي المستقل. هل يعرف أحد لماذا لم يفتح الحساب بعد؟