استعراض القوة المستمر منذ العام 2000، وامتداده من الداخل اللبناني الى المنطقة العربية، وأوروبا (البوسنة)، يستحق، على الأقل، سؤالاً واحداً يُوجَّه الى الأمين العام: من فوّضك بالقتال هنا وهناك، باسم لبنان، والعروبة، يوماً، وباسم السنة والشيعة أحياناً، وتحت راية إيران في كل حين؟ تتشابه بُنى خطب الأمين العام، في انها تحدّث السامعين، بالتفاصيل، وكأنهم سلموا بالمبدأ: يقرر لنفسه، ولحزبه، دوراً لا يستشير فيه اللبنانيين، الذين قبلوا بذلك حين حصر نظام الوصاية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي به، من ضمن استراتيجية أقلوية باتت واضحة اليوم.
تموّن الحزب، وترسمل، من هزيمة اسرائيل في الجنوب، ليمد هيمنة استراتيجية على كل مفاصل الدولة اللبنانية، وتوجهاتها السياسية، وصولا الى ترسيخ “دولته” فوقها، واتخاذ القرار نيابة عنها، وباسمها. فهو من يقرر موعد فتح الحرب مع اسرائيل، وهو من يفتح الحدود مع سوريا ويغلقها، ومن يستنسب مناصرة نظام هنا، ومعاداة نظام هناك، والتعامي عن المجازر الروسية في سوريا، واستفظاع التدخل السعودي – العربي في اليمن.
يعتمد الأمين العام على ضعف ذاكرة يفترضه لدى سامعيه: يبدأ مما فوق الاختلاف، ليبحر في استعراض القوة، وامتدادها الى خارج الحدود، متجاهلاً ان ما لا يود الإجابة عنه، لما يزل سؤالا ملحاً: من كلفك بالقتال في البوسنة، كما يزعم، وفي سوريا والعراق واليمن، ومن قال إنك تملك تفويضاً إلهياً يجر اللبنانيين، والعرب، أو المسلمين، الى حروب يقضي فيها ابناؤهم، باسم الوطن او العروبة، أو المذهب او الدين، وتاليا، تصنيف الأنظمة والشعوب، بين صديق وعدو، وادعاء دمار وقتل في اليمن، والتعامي عن مجازر في سوريا، وفيما يستفظع مجازر “داعش”، يتمنع عن رؤية مجازر “الحشد الشعبي” في العراق، و”فصائل أبو الفضل العباس”، و”الفاطميين الأفغان” في سوريا. يرى في ما تنفذه “داعش” مذهبية، وهي التي ضحاياها من السُنة أضعاف من هم من الأديان والمذاهب الأخرى، ويتجاهل ان ما ينفذه مقاتلوه وحلفاؤه ليس الا مذهبية مضادة، لا تواريها خطبه وانفعالاته، ولا تجهد في إخفائها.
وليست المذهبية وحدها العنوان الجامع بين المتناقضيْن المتوائميْن، فالعداء للسعودية يوحدهما، نظرياً وميدانياً، حتى أن الأمين العام رفعها الى أعلى سلم عداواته. واذا كان “أدان” السعودية من زاوية “استكبار” تدخلها في اليمن، ومساعدتها الحكومة الشرعية فيه، فإن “داعش” يعاديها من زاوية “تقصيرها” في أن تكون جهادية إرهابية على نسقه ومثاله: الأول يريدها سياسياً، ان تهادن ايران ومشروعها الإقليمي، والثاني يريدها ان تجاريه، دينيا، في عداء البشرية جمعاء، فـ”تطهر” الأرض ممن يعتبرهم مشركين، واصفا الدولة السعودية اليوم، بأنها خيانة للإسلام.
ثالث القواسم المشتركة، بعد المذهبية والعداء للسعودية، حضن النظام الأسدي لهما، وعن “أفضاله” على الاثنين حدّث ولا حرج.