Site icon IMLebanon

مَنْ يهدمْ لكَ كنيسة إبنِ له مسجداً

أَوَجَدْتَ وَصْلي في الكتاب محرَّماً ووجدتَ قتلي فيهِ غيرَ محرَّمِ؟

المجزرة الإرهابية التي وقعت في كنيسة سانت اتيان الفرنسية هي أكثر الجرائم بربرية منذ انتفاضة الربيع العربي، بل منذ أن كان الفتح العربي في شتى أنحاء الجزيرة العربية وخارجها.

ليس لأن هذه الجريمة قد استهدفت بالذبح كاهناً كهلاً وهو يؤدي الصلاة في الكنيسة فحسب، بل لأن هذه الكنيسة بالذات قد تبرعت سنة 2000 بقطعة أرض لبناء مسجد للمسلمين في تلك المدينة بالذات.

ويُذكر في المقابل، أنّ قداسة البابا فرنسيس حين زار مخيماً سورياً في جزيرة ليسبوس اليونانية في نيسان الماضي إصطحب معه 12 لاجئاً سورياً مسلماً الى روما لتستضيفهم جماعة «سانت إيجيدو» الخيرية.

هكذا أصبحت المعادلة الدينية والرسائل الإنسانية المتبادلة في العالم: منْ يستضفْ لك لاجئاً إذبحْ له كاهناً، ومن يَبْنِ لك مسجداً إهدم له كنيسة.

وهكذا يشهد العالم في القرن الواحد والعشرين تفلُّت القيم الإلهية واحتضار الحضارة الإنسانية في مشاهد يهلع لها العقل البشري، في ظل غياب العقل الديني والإنغماس باللَّاعقلي.

منذ ما يزيد على الألف سنة أطلق الفارابي أعظم فلاسفة العـرب المسلمين، مؤلَّفه «رسالة في العقل» يوم لاحظ أن مدينة البشر أصبحت أبعد ما تكون عن مدينة الله.

وحين يصنِّف الفارابي الدولة بين مدينة فاضلة وأخرى فاسقة أو ضالة وجاهلة، لم تكن الدولة في عهده وقبل عهده ترتكب من المجازر الفواجع، ما تحلِّلُه لنفسها اليوم ما تسمّى بالدولة الإسلامية: فإذا المدينة وحش «ذو ضمير ديني» يمارس إيماناً مجنوناً باسم الله الذي يصبح عنده مجرد وثَن.

إذا كان الإسلام في الأصل كما المسيحية ثورة روحية إيجابية منفتحة برحابة على ذات الله وذات الإنسان، فمن الخطر أن تصبح المسيحية ثورة على الإسلام، وأن يصبح الإسلام ثورة على المسيحية والإسلام معاً، وأن تصبح المبادئ الإلهية التي تجمع الديانتين عديمة الجدوى.

نعم… قرأنا استنكاراً للسعودية والأزهر وتنديداً بالهجوم الإرهابي على الكنيسة وكاهنها، والسعودية والأزهر كلاهما مسؤولان مباشران عن إعادة الإسلام المخطوف، وعن هذا الإستسلام للحالة الإسلامية التي أدّت الى اضمحلال الإيمان الحقيقي، والى وهَن الذاكرة الإسلامية والإرث الروحي للإسلام، والتي جعلت بين الإسلام والإسلام، وبين الإسلام والمسيحية حدوداً مرسومة بالدم.

لقد قلنا غير مرة إنّ مواجهة هذه الحالة المرعبة لا تكون بسلاح السيف، بل بسلاح القرآن، وسلاح القرآن مسؤولية لا يمكن أن يتبرأ منها العلماء والأمراء عملاً بقول النبي: «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإن فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء».

فأين هم العلماء والأمراء المتنوِّرون، لا يشهرون القرآن سلاحاً؟ «ذلك الكتاب لا ريْبَ فيه هدىً للمتَّقين».

وأين هي المساجد التي تقدم أرضاً لبناء الكنائس على غرار ما قدمت كنيسة الكاهن المذبوح، وهل خَلَتْ ديار العرب حقاً، من «باباوات» مسلمين؟