لم تكن معركة الرئاسة الأميركية مثيرة في أيّ يوم بمقدار ما هي اليوم. وعنصر الإثارة فيها ناجم من وجود مرشح «خارج عن المألوف» هو دونالد ترامب، لأنّ وصوله إلى البيت الأبيض – إذا وصل – سيكون مفاجأة بكلّ المقاييس.
يقول أحد سفراء لبنان السابقين في واشنطن إنّ بروز ظاهرة ترامب في المجتمع الأميركي ليس عبثياً، بل هو نتيجة عوامل متراكمة:
– تصاعُد الإرهاب التكفيري في الغرب.
– الصمت الذي يُظهِره – إجمالاً- المسلمون المقيمون في أوروبا وأميركا إزاء هذا الإرهاب.
– التدفّق الدراماتيكي والعشوائي للمهاجرين المسلمين من الشرق إلى المجتمعات الغربية.
– عدم رغبة شريحة كبيرة من المسلمين المهاجرين بالاندماج في الثقافة الغربية، بل محاولة الالتفاف عليها ومحاربتها في عقر دارها.
وفي عبارة أوضح، يضيف السفير، إنّ ظاهرة ترامب هي ردّ فعل على ظاهرة أوباما قبل 8 سنوات. فحينذاك، رشّح الحزب الديموقراطي مهاجراً حديثاً من أفريقيا، أسوَدَ ومُسلِماً. وتبيَّن أنّ الغالبية من الأميركيين البيض صوَّتت بناءً على اقتناعها ببرنامج الرئيس، من دون أن تولي أهمية للّون أو الدين.
لكنّ غالبية الأميركيين الملوَّنين، من أصول مكسيكية أو آسيوية أو أفريقية، والمسلمين، صوَّتوا لأوباما بناءً على اعتبار اللون والدين. وهذا ما رجّح كفّة فوزه. وقد أثار هذا الأمر حفيظة العديد من الأوساط الأميركية وطرح كثيراً من علامات الاستفهام. ويمكن تفسير ظاهرة ترامب من خلال هذه المعطيات.
وفي ظلّ الفورة الإسلامية المتنامية عالمياً، والمشفوعة بتدفّق اللاجئين من الشرق، استيقظت الانفعالات النائمة في الوجدان الأميركي منذ 11 أيلول 2001. وتحاكي ظاهرة ترامب تأجّج اليمين المتطرّف في أوروبا، الذي في ظلّه أعلن البريطانيون رغبتهم في الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد خبراء أنّ تلكّؤَ الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة وأوروبا عن القيام بدورها في مواجهة الإرهاب «الجهادي» هو الخطأ الذي يستتبع خطأ نمو الموجات المتطرّفة في الغرب إلى حدّ الجنون أحياناً.
وعلى العكس، ينمو اعتقادٌ في الغرب بأنّ بعض المسلمين يستغلون سماحة المجتمعات الغربية وانفتاحها ليكونوا حصانَ طروادة الذي سينقضّ عليها عندما تسمح له الظروف لضربها من الداخل. وهذا الشعور سيؤدّي عاجلاً أم آجلاً إلى وقوع صِدام ثقافي في المجتمعات الغربية يذهب المسلمون والعرب، لا الغربيون، ضحيّته.
وفي صلب الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة، هناك انقسامٌ بين داعمٍ لهيلاري كلينتون وآخر لترامب. فالداعمون لكلنتون يعبّرون عن خشيتهم من نزعة ترامب ضد «الغرباء»، وقال بعضهم علناً: «إذا كان هذا الرجل يغتاظ من الأميركيين من أصل مكسيكي، والحاصلين على الجنسية قبل 100 عام وأكثر، فكيف سيكون حالنا في عهده، ونحن آتون من الشرق الأوسط منذ 30 أو 40 سنة مثلاً؟
ويضيف هؤلاء: إذا وصلت كلينتون، فنحن نعرف ما ينتظرنا. أما ترامب فلا نعرف أيّ صدمة سيخبّئها، لأنّ منسوبَ العنصرية سيرتفع في عهده داخل المجتمع الأميركي. وعلينا أن نختار كلينتون لنستمر في العيش في الولايات المتحدة بكرامة.
هذا المنطق يرفضه الداعمون لترامب، إذ يسألون: «لو كان الرجل عنصرياً يستهدف العرب والجالية اللبنانية، هل كان يختار وليد فارس مستشاراً له؟» ويضيفون: «في مجال المواجهة مع الإرهاب الجهادي، تمتلك الجاليات الآتية من الشرق الأوسط، ومن لبنان خصوصاً، الخبرة أكثر من سواها في إدراك جذور هذا الإرهاب.
وهناك اقتناعٌ بأنّ سياسة أوباما لمواجهة الإرهاب داخل الولايات المتحدة قد فشلت. كما أنّ مصلحة هذه الجاليات هي في الهجرة الشرعية المنظّمة، تحت راية القانون، والتي أسَّست الجاليات المحترمة التي خدمت أميركا، لا الانقياد وراء المهاجرين غير الشرعيين والفوضى التي تُسيء إلى صورة جالياتنا ومستقبلها. ولذلك، إنّ مصلحة الجاليات العربية هي في وصول ترامب وتنظيم الهجرة لا في الفوضى التي ستدفع هذه الجاليات ثمنها في النهاية».
ويعتقد هؤلاء أنّ أكثرية اللبنانيين والسوريين والعراقيين، والعرب الأميركيين عموماً، إضافة الى الإيرانيين الأميركيين، قد صُدموا بالسياسات الشرق أوسطية التي اتّبعها أوباما وكلينتون عندما كانت في موقع وزيرة الخارجية. ولذلك، تريد الجاليات العربية خياراً آخر.
وفي الخلاصة، يبدو واضحاً أنّ ترامب هو الذي يشكل صدمة للمجتمع الأميركي، وللجاليات العربية والمسلمة. أما كلينتون فتشكّل «استمراراً للمألوف»، فيما تنزلق الولايات المتحدة، والغرب بأجمعه، بصمت، إلى مأزق «حرب الثقافات»، وهي من أنواع التصادم الأهلي أو حرب أهلية باردة.
ولذلك، يبرز السؤال: هل مصلحة الولايات المتحدة والجاليات هي مع كلينتون واستمرار الانزلاق الصامت إلى المأزق، أم مع ترامب والصدمة التي تضع الجميع أمام المواجهة المبكرة؟
في أيّ حال، سواءٌ وصل ترامب أم لم يصل إلى البيت الأبيض، فإنه على الأقل حرّك المستنقع الذي يتجاهله كثيرون، والذي يمكن أن يغرقوا فيه إذا استمرّوا في التجاهل!