قد تكون القاع إحدى أكثر البلدات تعطشاً لمجلس بلدي فاعل يقوم بواجباته الإنمائية، بعد تجربة لا تُحسد عليها مع مجلس بلديتها الأخير، الذي انقسم أعضاؤه مناصفةً بين 8 و14 آذار، إثر تورّط رئيسه جورج نصرالله بالدم، وفراره تاركاً سدة الرئاسة لنائبه ميلاد رزق بالتكليف، لتسقط البلدية لاحقاً بعدما انضمّ أحد الأعضاء الى فريق 14 آذار وقدّموا استقالتهم، وتصبح المعادلة واضحة: القاع محرومة من أبسط حقوقها، والسلطة البلدية في نومٍ سريري.
فشلُ تحالف «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» في الانتخابات البلدية تجلّى في القاع التي تتجه الى معركة حامية ينقسم فيها أهل البيت الواحد بين مؤيّدٍ للائحة المدعومة من «التيار» والحزب «السوري القومي الاجتماعي» وحزب «البعث» برئاسة وهبي بيطار، واللائحة المدعومة من «القوات» برئاسة المحامي بشير مطر، وأخيراً لائحة «مستقلين» برئاسة سمير عوض.
وتحت شعار «الديموقراطية» التي يرفعها الجميع في العلن ويمارس بعضهم عكسها «تحت الطاولة»، علمت «الجمهورية» أنّ ثمّة ضغوطات طاولت مرشحين للإنسحاب، ووُجّهت تهديدات لعدد من المناصرين لوقف حملاتهم الإنتخابية، وفي هذا السياق أشارت مصادر أمنية متابعة لـ«الجمهورية» الى أنّ الجيش المنتشر في المنطقة والذي تمّ تدعيمه، جاهز للتدخل لحسم أيّ إشكال قد يحصل أيّاً كان المشاركون فيه، فعناصره الى جانب القوى الأمنية المعنية على أتمّ جهوزية لتمرير هذا الاستحقاق بكلّ ديموقراطية، وهم واقفون على مسافة واحدة من الجميع ولحمايتهم».
«أرضي هويّتي»
القاع التي عانت إعتداء الغرباء على أرضها وارتكاب المجازر في حقّ أبنائها خصوصاً في عام 1978، ما زالت تحمل في باطنها قضية رفعها مَن ذاقوا هذا الوجع منهم، وفي هذا الإطار اعتمد مطر شعار «أرضي هويّتي» للائحته الانتخابية، هو الذي فضّل المعركة على التوافق والدخول في بلدية الى جانب «القومي» و»البعثي»، ويؤكد لـ«الجمهورية» أنّ «قسماً كبيراً من أبناء «التيار» الذين التقينا معهم على الأهداف والأفكار والهواجس نفسها يدعمونني الى جانب «القوات»، خصوصاً وأننا أتينا من البيئة نفسها، إضافة الى جزءٍ من العائلات، لأنّ هؤلاء لاحظوا الفرق وأيقنوا أننا لسنا «موسميّين»، حيث نعمل قبل الانتخابات لكسب الأصوات، بل إنهم يعلمون أننا حاضرون طوال الست سنوات سواءٌ كنا في البلدية
أو خارجها»، موضحاً أنّ «هناك عطشاً لدى «التيار» و«القوات» للعمل جنباً الى جنب، إلّا أنّ المشكلة تكمن في عدد من أعضاء هيئة «التيار» الممسكين في القرار، والذين أبدوا رفضهم لي كرئيس، وبعضهم ينقل مشاكله الخاصة معي وينفّذ «أجندات» أحزاب غير «التيار»، فالقاعدة في جهة والهيئة في أخرى، وهو ما ستثبته الانتخابات، إذ هم يريدون إلغاءنا للتوصّل الى وفاق، وهو ما لن يحصل».
ويجزم مطر أنه «معروفٌ عنا أننا لا «نشطّب»، لكنّ أبناء القاع غير الملتزمين والذين قد يلجأون لـ«التشطيب» سيختارون من لائحتنا أسماء أكثر، لكنني لست متخوِّفاً لأنّ الناس شعروا بأنّ عليهم إيصال لائحة كاملة كي لا تُعاد الأخطاء السابقة، فلتصل لائحة منسجمة ولتُعطَ فرصة وتُحاكَم على أساسها»، كاشفاً «أننا سنؤسس «بلديات ظل» عدة للشباب، تتبع نظام البلدية نفسه، حيث يعتادون على حضور الاجتماعات وترؤسها لسنوات ست ويكونون أعضاءاً في لجان، كي نؤمّن كوادر شبابية لاستلام البلدية في المستقبل، إضافة الى تأسيس مركز دراسات وأبحاث وحوار من النخب القاعية وغير القاعية للبحث في عمق قضايانا، ودعم مدارسنا وأسواقنا التجارية، كما أنّ عيننا على إعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الحرب كوننا منطقة حدودية لنستفيد قدر المستطاع، لكن في المقابل لن نقبل بتحويل منطقة «مشاريع القاع» الى مخيّم نهر البارد».
وإذ لم ينكر مطر أنّ «المعارك الانتخابية تحمل مفاجآت غير متوقعة»، يشدّد على «أننا مرتاحون على وضعنا، ولن يكون هناك خرق، إلّا أنّ البعض يأخذ المعركة بمنحى سياسي، علماً أننا عندما كنا نقف في وجه المعتدي لم نكن نسأل عن هويّته السياسية ولا الطائفية أكان حليفاً أم لا»، رافضاً «تعزيز وضع العائلات الكبرى على حساب الأصغر، كما أننا حريصون على تمثيل المرأة الذي يتجلّى في ترشيحنا لامرأتين إضافة الى مرشحين متعلّمين، نسبة العمر في لائحتنا متدنٍ، والأهم من ذلك أنّ للأعضاء التزاماتهم وتضحياتهم».
ومطر المعروف بتوجّهاته الصارمة والتزاماته بقضايا معيّنة وعدم مساومته، يشدّد على أنّ «المرحلة الراهنة لا تحتاج الى شخصية رمادية أو وسطية أو الى رئيس يدير أزمات، وإنما الى رئيس يحافظ على الأرض التي يقف الإرهاب عند حدودها».
«الإنماء والإصلاح – القاع»
نحو 200 ماروني و6300 كاثوليكي مسجلين على لوائح الشطب في القاع، سيشاركون في إختيار 4 مخاتير و15 عضواً بلدياً، لذلك تحاول اللوائح شدّ الناخبين، وبالتالي، فمن إسم اللائحة المنافسة لمطر يمكن فهم توجّهات بيطار في حال تبوّئه منصبَ رئاسة البلدية.
وعن الانقسام بين «القوات» و«التيار» في القاع رغم تحالفهم في بلدات أخرى، يؤكد بيطار لـ«الجمهورية» «أنني مرشح من قبل العائلات وفعاليات البلدة، بدعمٍ من «التيار»، وسعيت للتوافق لكنّ الردود لم تكن إيجابية»، معتبراً أنّ «المعركة ديموقراطية وستكون رائعة، فالجميع أصدقاء وسنخوض الانتخابات لتكون واحدة من أفضل الاستحقاقات الانتخابية في لبنان، والأفرقاء المتنازعين سيتصافحون بعد انتهائها».
ويكشف بيطار أنّ «الإنماء يأخذ حيّزاً مهماً من مشروعه الانتخابي، لكنّ الأهم منه هو المصالحات بُعيد الخلافات التي حصلت في الانتخابات السابقة، حيث ذهب ضحيّتها قتيلان جراء النزاعات السياسية، لذا سنسعى للتوافق والمصالحة، فيما الإنماء هو تحصيل حاصل».
لائحة «الإنماء والإصلاح- القاع» تضمّ معظم عائلات القاع، ورئيسها لم يبدِ تخوّفاً من «التشطيب»، موضحاً أنّ «المقرّبين منا ملتزمون باللائحة كاملة، لكن قد يلجأ بعض المحايدين لـ»التشطيب»، إلّا أنّ لائحتنا متقدمة حتى الآن».
ويجزم بيطار أنّ «التوافق الذي لم يحصل قبل الانتخابات سنسعى له بعد انتهائها في حال فاز مرشحون من اللوائح الثلاث».
التحالف الصعب
بات معلوماً أنّ تحالف «القوات» و«التيار» لم يمرّ في القاع، مع العلم أنّ البلدات المسيحية في الأطراف هي بأمس الحاجة للتوافق والإنماء، وهنا يسأل القاعيون مَن يتحمّل مسؤولية فشل التوافق، وهل حليف الحليف هو مَن أفشل التوافق نتيجة التمسّك بهم.
يؤكد منسق «التيار الوطني الحرّ» في البلدة أنيس خوري لـ»الجمهورية» أنّ «التيار يدعم لائحة بيطار الى جانب بقية الأحزاب الموجودة في القاع باستثناء «القوات»، وقد اخترنا هذه اللائحة لأننا قطعنا عهداً بعدم دعم مرشح ساهم في إفشال البلدية السابقة، إضافة الى كوننا لم نصل الى توافق مع «القوات» لأنهم رفضوا الانضمام الى لائحة تضمّ الأحزاب الأخرى في القاع».
بدوره، يشدّد مسؤول «القومي» خليل التوم لـ»الجمهورية» على «دعم حزبنا للائحة بيطار، لأننا نرى فيه شخصاً معتدلاً يشكّل ضمانة لسكّان القاع و»القاعيين» في بيروت، والمشاريع التي يطرحها تتوافق مع تصوّرات حزبنا»، موضحاً أنّ «بيطار استرجع بعض الأراضي التي كان اشتراها أناس أغراب، وأعادها للبلدة».
«المستقلّون»
للمستقلّين في القاع صوتهم، فهم ورغم الانقسام الحاد داخل الأحزاب والعائلات قرّروا خوض المعركة متسلّحين بحيادهم، رئيس اللائحة سمير عوض يوضح لـ «الجمهورية» أنّ «التنافس ديموقراطي، ونحن ابتعدنا من المشكلات الموجودة في اللائحتين الأخريين، كون العائلات فيهما مقسومة على بعضها، لذا سعينا لتأليف لائحة بعيدة من هذا الجو، كي لا نُدخل معنا المشكلات الى عملنا البلدي في حال فزنا»، مؤكداً أنّ «كلّ ما يختص في التخطيط والإنماء سيكون على رأس مشاريع لائحتنا التي تضمّ معظم العائلات القاعية، ووضعنا الوحيد الذي يُعتبر مرتاحاً».
وشدّد عوض على أنّ «لائحتنا بعيدة من المشكلات التي تتواجد بكثرة حتى داخل اللائحتين الأخريين نفسيهما»، مشيراً الى «وقوف لائحتنا على المسافة نفسها من اللائحتين المنافستين، ولا مانع لدينا من التعاون معهما في حال فوز أعضاء من اللائحات الثلاث».
الفعاليات
من جهته، يؤكد الأب موريس وهبي الذي يُعتبر من فعاليات القاع لـ»الجمهورية» أنّ «جميع المرشحين فيهم الخير والبركة، إلّا أننا لا نختار أشخاصاً للبلدية بل مشاريع، وعلى هذا الأساس يمكننا اعتبار لائحة مطر تحمل المشروع الأكثر وضوحاً، فكوننا بلدة حدودية عانت الاعتداء على الأراضي، تعنينا المشاريع التي تحمل في طيّاتها حلولاً لهذه القضية أكثر من سواها».
تُعتبر معركة القاع من الأكثر حماوة، فالانقسامات طاولت العائلات كافة، ومواقع التواصل الاجتماعي فجّرت الاحتقان الموجود داخل أبناء البلدة، التهديدات لم تستثنِ أحداً والمخاوف متأجّجة جداً، والجميع ينتظر نهار الأحد لحسم النتائج، فهل سيكون هذا النهار بداية ربيع جديد للبلدة، أم معاودة لمسلسل الإحتقان والتأزّم؟