تبدو المعركة الكلامية التي شنّها العماد ميشال عون على قائد الجيش العماد جان قهوجي معركة بلا أفق، فالجنرال الذي تجرّأ على الجيش، يُدرك في صميم نفسه أنّ التمديد لقائده لم يكن فقط مجرَّد تلاقٍ داخلي على رفض الفراغ في المؤسسة العسكرية، بل كان أيضاً نتيجة موقف دولي وإقليمي، يرفض المسّ بالانتظام الداخلي الذي يُشكّل الجيش ركيزة أساسية مساهمة في استمرار الاستقرار، ولو في حدّه الأدنى.
لم يكن خافياً على أحد أنّ التمديد حصل بفعل التقاء إرادتين داخلية وخارجية، وأنّ «حزب الله» لم يكن بعيداً من هذا القرار، إذ وافق الحزب وترك للرئيس نبيه برّي الاخراج المناسب، لكي لا يَصطدم بالعماد عون، الذي وكعادته في العلاقة مع الحزب، يذهب بعيداً ويبالغ في إعطائه الاوراق المجانية، معتقداً أنه قادر بذلك على إمساك الحزب من اليد التي تؤلمه.
لهذا لم يكن مستغرَباً أن يُطلق العماد عون موقفاً فيه الكثير من الرياء تجاه الحزب في الوقت نفسه الذي يتوعّد فيه العماد قهوجي، وذلك بقصد إغراق الحزب وتكبيل يديه، لكن ما فات الجنرال، أنّ «حزب الله» وأمام جدول أولوياته المثقل في سوريا، لن يتمكن من تدليل حليفه، الى درجة يسقط فيها اعتباراته وأولوياته، وهي نفسها الاعتبارات التي دعت الحزب إلى الدخول في الحكومة، وتأجيل الانتخابات النيابية، والتمديد للمرة الاولى والثانية للعماد قهوجي، لكن كعادته قرّر عون أنّ الطريق الامثل لمتابعة المعركة هي العضّ على الجرح وتسليف حليفه مواقف يهدف من ورائها الى تكبيل يديه.
يُشبه هجوم عون على قائد الجيش، مَن وجد نفسه في حفرة لكنه مستمرّ في الحفر، فالتعرّض للمؤسسة العسكرية يُفقد عون جزءاً من شرعيّته الشعبية التي لا تستسيغ هذا السلوك. وفي هذا الاطار تتخوّف أوساط مطّلعة من أن يكون عون بقراره الذهاب الى حافة الهاوية، يُخطّط لجرّ الجيش الى مواجهة تؤدّي الى سقوط ضحايا،
وبالتالي الى توريط قيادته في لعبة الدم، لكنّ الأوساط تجزم بأنّ قائد الجيش واع تماماً لما يُخطّط، وهو سيستمرّ في انتهاج النهج نفسه الذي أدار فيه التظاهر في الشارع، في المرة الماضية، ولهذا سيستمرّ الجيش بحماية أيّ تظاهرة يُخطّط لها عون، لكن لن يسمح بالتعرّض للمقرات الرسمية، أو بقطع الطرق، علماً أنّ مجموعة العونيين الذين تظاهروا في المرة الماضية، حاولوا تنفيذ هذا الهدف، لكنّ وعيَ القوة العسكرية التي كانت مكلفة بحماية السراي قلَب المشهد العوني رأساً على عقب، وبدا أنّ العماد قهوجي تجاوز الحفرة العونية بنجاح.
من الواضح أنّ العماد عون المستمرّ في معركته العائلية، مُصرّ على عدم القراءة الصحيحة لما جرى. فالتمديد للقادة الأمنيين كان محسوماً منذ البداية، وتولّت مراجع ديبلوماسية في بيروت مواكبته، وعلى رأس هؤلاء السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل الذي أبلغ كلَّ مَن التقاهم في المرحلة الاخيرة، أنّ اللعب بالأمن وبالاقتصاد النقدي (الليرة) وتطيير الحكومة، ممنوع، لأنّ أيّ مسّ بهذه «الاقانيم» الثلاثة يعني دخول لبنان في حال اللاستقرار، وهو ما يرفض المجتمع الدولي الوصول اليه.
لكلّ هذه الاسباب لا يُتوقَع أن يُحقّق العماد عون في خطواته التصعيدية المقبلة أيّ نتيجة، فحلفاؤه لا يجارونه فيما سيذهب اليه من تصعيد، ولا تدلّ حركة الرئيس نبيه برّي، ومواقف النائب سليمان فرنجية، إلّا على قراءة واضحة لمسار المرحلة التي لا تتحمّل مزيداً من المغامرات.
كلّ ما يمكن أن يفعله «حزب الله» الآن هو الوقوف وراء عون في تمديد الفراغ الرئاسي لأشهر مقبلة، في انتظار تطبيق الاتفاق النووي الايراني، هذه الاشهر قد تُمهّد من وجهة نظر الحزب لعون لكي يغامر أكثر بطرح تعديل اتفاق الطائف، عندها تبدأ النوايا الحقيقية لتعطيل انتخاب الرئيس بالظهور جلياً.