IMLebanon

من نصب فخّ «مَذهَبَة» النفايات؟

بمعزل عما ستؤول اليه خطة النفايات، فقد تجاوزت البلاد جدلاً سعى اليه البعض فأوحى مجهول بالحاجة الى «مطمر مسيحي» بموازاة المطمرين «الشيعي» و»السنّي» لتعميم الانقسام بين اللبنانيين وزجّ المسيحيين فيه، فربط لليلة وضحاها مصير الخطة بمطمر ثالث موحياً أنّ المطمرَين الأّولين لا يتّسعان لنفايات مسيحيّي المتن وكسروان. فكيف تمّ تجاوز الطرح الذي وُلد ميتاً، وما تبنّاه أحد؟

اعتقد البعض لساعاتٍ قليلة أنّ بإمكانه جرّ البلاد الى مذهبة كاملة وتطييف نهائي لملفّ النفايات بإدخال المسيحيين طرفاً ثالثاً في ثنائية سنّية – شيعية في لحظات حرجة ودقيقة وحساسة رافقت اقتراب المهلة النهائية التي حدّدها كلٌّ من رئيس الحكومة تمام سلام والوزير اكرم شهيب لكشف المستور وتحديد المسؤول عن إعاقة تنفيذ الخطة النهائية.

كان باعتقاد من أوحى بالصيغة التي تحدثت عن مطمر لنفايات كسروان والمتن بمعزل عن المطامر الأخرى أنّ بإمكانه تغليف الانقسام السياسي الحادّ بين السنّة والشيعة والذي انعكس بوجه من وجوهه المختلفة على سياسة المطامر.

وعلى رغم سعيهما انفاذاً للتعهّدات السابقة التي قطعتها كلٌّ من قيادتي «حزب الله» وحركة «امل» بتحديد موقع لمطمر ثانٍ بعد مطمر سرار، فقد ظهر واضحاً أنّ النظريات التي أغرقت البلد بالنفايات قد رسمت صورة قاتمة لسياسة المطامر وبات البحث عن مطمر بعد «تجربة الناعمة» أمراً مستحيلاً، وهو ما واجهته الثنائية الشيعية في سعيها الى تحديد مطمر بقاعي من رفض شعبي لم تتمكّن من استيعابه على رغم الهيبة التي تتمتّع بها في معظم قرى المنطقة.

وزاد الطين بلة أنّ الحزب استثنى سلفاً من حساباته كلّ المواقع الصخرية ذات المواصفات البيئية الصالحة للمطامر في جرود السلسلة الشرقية القريبة من الحدود السورية التي تحوّلت مناطق عسكرية له على طول خط المواجهة مع منطقة القلمون السورية.

وقبل أن يصنّف الموقعان لاستيعاب نفايات لبنان على اساس مذهبي وطائفي كانت الخطة الوطنية قد حدّدتهما لأسباب جغرافية وتقنية بهدف تسهيل نقل النفايات واستيعابها وبأقل كلفة. وعليه فقد ظهر جلياً أنّ السعي الى فتح جبهة مسيحية في هذا الملف لم يكن امراً طبيعياً إطلاقاً، وهو مجرّد فخّ نُصب في ساعات الليل، وخصوصاً أنّه يحمل في طياته دعوة مبطّنة الى إذكاء الفتنة وتعميمها بين اللبنانيين والقول إنّ أيّاً من مكبات السنّة والشيعة لا يتحمّل نفايات المسيحيين، وهو أمر منافٍ للواقع.

فلم تكن مبادرة الرئيس نبيه برّي التي أنهَت حالَ الشك في السرايا باستحالة توفير المطامر تهدف الى هذه الصيغة، ولم يفاتح شهيّب أيّاً من زواره بالقضية على رغم الحديث عن اللامركزية في التعاطي مع هذا الملف.

ولذلك طرح السؤال من أين اتت هذه القضية؟ ومَن كان صاحب الفكرة الهادفة الى حرف المشروع عن هدفه وإدخال المسيحيين طرفاً خلافياً في الانقسام المذهبي؟

من هذه النقطة بالذات لم يرغب أيّ طرف مسيحي أن يناقش أو يفتح هذه السيرة، فهم يعتبرون انفسهم خارج السباق السنّي – الشيعي إن وجد على هذا المستوى، وهو ما عبّر عنه رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل عندما ابلغ الى شهيب أنّ الكتائب ترفض المزايدات والتصنيف المذهبي للمطامر في ظلّ هذه الازمة الوطنية التي يعيشها اللبنانيون.

ولذلك ليس للحزب، ولن تكون له أيّ مبادرة على الاطلاق خارج ما قالت به الخطة التي أقرّها مجلس الوزراء، وكان شهيب أوّل مَن اطّلع على ملاحظات الحزب وتبنّى معظمها وترجمها في مشروعه في نقاط عدة.

ومن حيث لا قصد ولا تنسيق، التقى كلام القيادة الكتائبية مع ردّ «التيار الوطني الحر» على رفض التصنيف المذهبي للنفايات والكهرباء والمياه التي تشكل ثروة وخدمة وطنية جامعة للبنانيين، فتراجع الحديث عن الموضوع قبل أن يتفاقم أو يتمّ تداوله، فعبرت المحاولة من دون ضجيج وظهر أنّ البحث عن مطمر في جوار سدّ شبروح أو في جوار معمل الذوق الحراري ليس مقبولاً ولا معطيات تقنيّة بيئية تقود اليه.

أما الحديث عن «الشراكة الوطنية» في ملف النفايات فلها ما يشببها في ملفَي الماء والكهرباء على قاعدة المساواة بين الحقوق والواجبات وفي أن تتشارك المناطق مليارات الخزينة العامة على خلفية الانماء المتوازن، وهو أمر سيأتي أوان البحث فيه قريباً وليس من الحكمة تجميد ملف النفايات ليُصار الى البتّ ببقية الملفات، إذ لها اوقاتها ومواعيدها وليست بعيدة من اليوم.

وعلى هذه الخلفيات طوي مشروع البحث عن مطمر مسيحي من دون أيّ ضجيج وتمّ الاتفاق على استيعاب نفايات كسروان والمتن قبل أن يظهر صاحب الفكرة الذي بقي مجهولاً.