Site icon IMLebanon

من يطفئ نيران الدولة؟؟

 

لم يكد اللبنانيون يلملمون آثار كارثة المئة حريق التي أجهزت على مساحات شاسعة من الثروة الحرجية وأودت بحياة شهيد دولة التسيّب والإهمال سليم أبو مجاهد وألحقت أضراراً فادحة بالممتلكات، حتى استفاقوا على سلة ضرائب جديدة ورسوم طالت حتى التطبيقات المجانية كالواتساب، في مقارنة طريفة قام بها وزير الاتصالات مع دولة الإمارات العربية الشقيقة، ساهياً عن تفصيلين بسيطين أولهما أن الحد الأدنى للدخل والمستوى المعيشي يعد من الأعلى في العالم العربي في الإمارات، ثانيهما أنها ألغت استعمال هذا التطبيق ولم تفرض الرسوم عليه في سرقة مزدوجة لصاحب التطبيق والمستخدم له! والأنكى ان المدافعين عن هذا الرسم، وهم كثر، يؤكدون أنه يؤمن مئتي مليون دولار لخزينة الدولة، وكأن قدر اللبناني ان يستعبد من قبل طبقة سياسية فاسدة، يعمل ويجني القليل حتى تستولي عليه الدولة بشتى أشكال الضرائب والرسوم تماماً كما في عصر العبودية حيث كان العامل يكدح حتى تمتلئ جيوب اسياده.

 

من ناحية اخرى، طويت فضيحة الحرائق التي أسقطت ورقة التوت عما يسمى بدولة، استقالت منذ فترة من واجباتها تجاه مواطنيها وانصرفت لإفراغ جيوبهم، وكأن لا مسؤولية سابقة ولا حالية تجاه الإهمال المتعمد، ان كان من ناحية صيانة السيكورسكي التي أسقطت بسبب السمسرات، أو احتجاز معدات الدفاع المدني بانتظار سداد الرسوم فيما تستباح الحدود يوميا بشتى أنواع التهريب، أو التقصير بتعيين حراس الأحراش لأسباب طائفية لم يعد يستحي أحد من المجاهرة بها… في بلاد متحضرة، حيث اتحفنا الوزراء أمس بالمقارنة، تطير رؤوس باليوم نفسه عند إهمال أي تفصيل يتعلق بالسلامة العامة، ولا يضحى بالمواطنين الذين استشهدوا فداء لإنسانية فقدها المسؤولون، ولا يكرم الأطفال لرميهم بأنفسهم إلى التهلكة حيث كان يجب أن تحمى الطفولة بالدرجة الأولى في كوارث مشابهة، ولا يستدعى للتحقيق المتطوعون المدنيون الذين سدّوا عجز وزارة الشؤون الاجتماعية والصحة وسائر المؤسسات الرسمية الواقعة في غيبوبة قاتلة.

 

انه زمن انعدام الحد الأدنى من القيم الإنسانية والاخلاقيات السياسية، زمن ثبت فيه ان المواطن البسيط، والطفل البريء، والجندي المهدد من دولته باقتطاع قرشه الأبيض، وشباب الدفاع المدني المسلوبة حقوقهم واحلامهم، والمجتمع المدني الذي انهك من تلبية حاجات حياتية ملحة تندرج ضمن مسؤولية الوزارات، اثبتوا جميعا انهم سبقوا الطبقة السياسية بأشواط في الوطنية والوعي الاجتماعي والتحرك على الأرض لإنقاذ ما تبقى للإنقاذ… في حين اكتفى بعض نواب الأمة بالاستنكار والشجب، وغرق بعضهم بسبات عميق، اتحفنا النائب ماريو عون بنظرية تطييف الحرائق في خطاب مقزز يكرس فكر فتنوي امتهن شد العصب الطائفي عند كل تقصير، مما اثار موضوع إهمال محاسبته ومحاسبة كل من تسول له نفسه العزف على أوتار الطائفية، ان كان من قبل فريقه السياسي او من قبل مجلس النواب!

 

ان بدعة الديمقراطية التوافقية قد سقطت بعدما اثبتت التجارب انها لم تكن سوى قناع لتسويات وصفقات تهدف لتقسيم قالب الحلوى لا اكثر ولا اقل، فمن يحاسب من ومن يقلب الطاولة على من، والجميع شركاء في الجريمة، وعن أية دولة مقصرة يتكلم النواب وهم الدولة بعينها من وزراء ومدراء… كيف لمجلس النواب ان يراقب عمل الحكومة وكيف للحكومة ان تؤمن إنتاجية خوفا من المحاسبة اذا كان المتهم هو القاضي؟ الوزراء هم النواب وضامنين ان اعلى سقف لن يتجاوز حفلة تراشق المسؤوليات وفتح ملفات حياتية جديدة للإسراع والتعتيم عما سلف… لا بد من إسقاط منظومة الفساد عبر إسقاط هذا النظام البالي واعادة الديمقراطية الى قواعدها من موالاة ومعارضة مع مراعاة فصل السلطات، والا فلتعلن دولة الحزب الحاكم ولتطوى صفحة الجمهورية وتسدل الستارة على مسرحية الديمقراطية السمجة.