Site icon IMLebanon

مَن يملأ فراغ «داعش» في سورية والعراق؟

مَنْ هي الجهة المهيأة لاستلام الحكم في سورية والعراق بعد الانتصار على تنظيم «داعش» وتحرير هاتين الدولتين من سلطته المتوحشة؟

في العراق، يحرص رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على التذكير بدوره في تشكيل قوات «الحشد الشعبي»، التي ساهمت بشكل فعال في تحرير بلاده.

ولكن تقرير اللجنة البرلمانية التي كلفها وريثه حيدر العبادي بإجراء تحقيق ميداني حول أسباب سقوط مدينة الموصل، أثبت مسؤولية المالكي عن الهزيمة المدوية في حزيران (يونيو) 2014.

لذلك استبق المالكي تحرك الادعاء العام ليسافر الى طهران التي استقبلته بحفاوة بالغة، مؤكدة لخصومه أنه سيبقى ممثلها المفضل في بغداد.

مقابل عملية استقواء نوري المالكي بإيران، انتقل رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الى واشنطن حيث التقى الرئيس دونالد ترامب، وطلب منه المساعدة على التخلص من هيمنة طهران وترسيخ نفوذها السياسي.

ويبدو أن انخراط المالكي والعبادي في «حزب الدعوة» لم يُسقِط عنهما فكرة تضليل الرأي العام كونهما ينتميان الى مرجعية واحدة، هي مرجعية طهران. لهذا اعتُبِرَت زيارة العبادي الى واشنطن محاولة تحييد للموقف الاميركي في حال أصبح العراق جاهزاً لمرحلة الإعمار.

والثابت أن ترامب طلب من العبادي الاهتمام بمشاركة المعارضة السنيّة في الحكم بهدف تأمين أرضية محلية هادئة وسلسة. وهذا ما يفسر دعوته لعقد مؤتمر شامل تحضره مختلف شرائح المجتمع العراقي. ولقد تجاوب البعض مع هذه الدعوة، في حين رأت فيها الغالبية فخاً يمكن استخدامه لشن حملة اعتقالات للمطلوبين الى القضاء.

لهذا السبب وسواه قرر المعارضون والمترددون عقد مؤتمر مشابه في أربيل، تحضره شخصيات سياسية لا تطمئن بعد الى سلوك رئيس الوزراء حيدر العبادي.

وعلى الرغم من اقتران اسم العبادي بمعركة تحرير الموصل، إلا أن منافسه على رئاسة الوزراء نوري المالكي استغل «اتفاقية الخور» ليطعن في صدقيتها ويتهم العبادي بالتنازل عن حقوق العراق لمصلحة الكويت.

و «خور عبدالله البحري» يشكل مساحة مائية ممتدة بين العراق والكويت. وقد دافع العبادي عن موقفه في هذا الموضوع، مشيراً الى قرار مجلس الأمن الصادر سنة 1993 بشأن ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت. ثم اتهم المالكي باستغلال هذه الاتفاقية من أجل التغطية على ماضيه البغيض، مذكراً إياه بأن الاتفاقية عُقِدَت في عهده السابق.

المهم إن استعادة العراق وسورية من «داعش» شرعت أبواب الدولتين أمام القوى التي ساهمت في عملية التحرير مثل روسيا وايران والولايات المتحدة و «حزب الله». كما كان للجيشين النظاميين في بغداد ودمشق دور مهم في عملية الصمود والمقاومة.

مطلع هذا الشهر أبرمت روسيا وتركيا وايران اتفاقاً يقضي بضرورة إنشاء مناطق تهدئة في سورية. وعلى الفور أعلن ممثل حكومة بشار الأسد دعمه المبادرة، في حين عارضها وفد المعارضة احتجاجاً على دور ايران في ضمان التهدئة. وفجأة، تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليحسم الجدل بالقول إنه ناقش الموضوع مع الجانب الاميركي الذي أيّد المحاولة.

روسيا اقترحت نشر قوات إسلامية من قازاخستان وقرغيزستان في سورية لمراقبة مناطق خفض التوتر. واعترفت تركيا بأنها ستنشر جنوداً في منطقة إدلب بشمال سورية وذلك في إطار تخفيف حدة التوتر. والمؤكد أن إقامة المناطق الأمنية هي جزء من عملية طويلة ستبدأ مطلع هذا الشهر. أي عندما يجتمع في آستانة، عاصمة كازاخستان، ممثلو روسيا وتركيا وايران من أجل رسم خرائط المناطق الأمنية.

ويتضح من كل هذا أن السيطرة على المعابر هي التي ستحدد المناطق الآمنة التي ستكون الملجأ الأخير لمليوني نازح سوري الى تركيا، إضافة الى مليون وستمئة ألف الى لبنان، ومليون وسبعمئة ألف الى الأردن.

وفي حال توصلت الأطراف المعنية الى اتفاق نهائي فإن الموضوع سينتقل الى القمة الأولى من نوعها بين الرئيسين بوتين وترامب، والتي ستعقد في هامبورغ ما بين السابع والثامن من هذا الشهر.

حتى يومنا هذا، لم تطرح الإدارة الاميركية خطة لإنهاء الأزمة السورية. وليس واضحاً الى أي درجة سيؤثر تدهور العلاقة بين الرئيسين على التوصل الى تفاهم حول مستقبل سورية. والثابت أن بوتين استطاع إقناع أردوغان بضرورة بقاء بشار الأسد في الحكم، ولو لفترة انتقالية يصار خلالها الى وضع دستور جديد وإجراء انتخابات عامة.

كذلك نجح بوتين خلال زيارته فرنسا في إقناع الرئيس إيمانويل ماكرون بأهمية استئناف العلاقات الديبلوماسية مع دمشق. وبعد ذلك اللقاء الذي تم في فرساي، أعلن الرئيس الفرنسي أنه لا يرى حالياً أي بديل لبشار الأسد قادر على عدم تحويل سورية الى دولة فاشلة.

ويتصور المراقبون أن الموقف الاميركي الغامض بشأن مستقبل سورية هو الذي أقنع ماكرون بأن ترامب لا يهمه مَنْ الذي يقف على رأس النظام السوري طالما أنه يتعاون في محاربة «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى. والثابت أن هذا الموقف سهّل موافقة واشنطن على توسيع نفوذ ايران في سورية، شرط أن يبتعد الايرانيون وحلفاؤهم عن حدود سورية مع اسرائيل.

تقول الصحف الاميركية إن انقساماً وقع هذا الأسبوع داخل إدارة ترامب. ذلك أن فريقاً من المساعدين حذر من فتح محادثات استراتيجية مع بوتين خوفاً من توريط الرئيس الاميركي في قضايا يجهلها.

قال ترامب إن اهتمامه أثناء اللقاء سيركز على موضوع استئناف التعاون الجوي بين الولايات المتحدة وروسيا، وذلك خوفاً من حدوث مواجهة عسكرية بين الفريقين. خصوصاً بعدما أعلنت موسكو أنها تعتبر كل طائرة تحلق غرب الفرات طائرة معادية يجب إسقاطها.

أما في حال اتفق الرئيسان على حل هذا الموضوع، فإن اتفاقهما سيمهد الطريق لاجتماع آخر في جنيف حيث يلتقي ممثلو النظام السوري مع ممثلي المعارضة لاستئناف العملية السياسية في الجولة السابعة.

قبل اجتماع الرئيسين الاميركي والروسي، أعرب وزير الخارجية سيرغي لافروف عن استنكاره ازدواجية المعايير، وكل ما تمارسه واشنطن في مواجهة الإرهاب. وقال في مؤتمر صحافي إن هناك دلائل جديدة تكشف عن محاولات التحالف الدولي بقيادة واشنطن تجنب مقاومة «جبهة النصرة». واتهم لافروف الإدارة الاميركية بأنها لا تتجاوب مع شعارات الجبهة العريضة التي دعا الى إنشائها الرئيس بوتين.

وفي هذا السياق، يرى وزير الدفاع الاميركي ماتيس ومستشار الأمن القومي ماكماستر إن دور ايران في العراق وسورية قد تجاوز كل الممارسات المقبولة. وهما يعتبران ايران المصدر الأساسي لغالبية مشكلات المنطقة. ذلك أن «الحشد الشعبي» الذي استوحى تنظيمه من «الحرس الثوري» الايراني أصبح عائقاً أمام تحقيق الاستقرار في العراق.

وأكثر من هذا، فإن طهران تثأر من «داعش» الذي نفذ عملية اقتحام البرلمان ومرقد الخميني، يوم السابع من الشهر الماضي. والثأر كان ضد مدينة دير الزور التي قصفتها ايران بسبعة صواريخ من طراز «ذو الفقار». وكان الهدف من ذلك إحراج الاميركيين الذين أسقطوا طائرة لسلاح الجو السوري وطائرتين من دون طيار من صنع ايران. ويبدو أن هذه الخطوة كانت مدعومة بعمليات برية نفذتها الميليشيات الشيعية على جانبي الحدود العراقية – السورية. كل هذا لكي تضمن حق التحرك ضمن الممر البري الذي يصل طهران بـ «حزب الله» في لبنان.

لهذه الأسباب وسواها، يسعى العسكريون في إدارة ترامب الى مضايقة ايران بغرض منعها من التوسع في العراق وسورية. ولكنهم اكتشفوا أن المضايقات الاقتصادية والحصار السياسي قد يقودان الى زيادة التوتر مع روسيا، حليفة ايران في المنطقة.

قبل أقل من سنتين تقريباً ظهرت قاعدة التنف كنقطة عبور حدودية بين سورية والأردن. وحدث في إحدى المرات مرور موكب عسكري سوري بالقرب من هذه القاعدة. ويدّعي الاميركيون إن الموكب تجاهل التحذير بالوقوف الأمر الذي استدعى قصفه وتدمير مركباته.

وكان من نتيجة تلك الواقعة أن القائد العسكري الروسي لقاعدة حميميم أعلن أنه سيدعم قوات الأسد أثناء تقدمها لتطهير الطريق بين دمشق وبغداد، والحؤول دون إنشاء منطقة عازلة تدعمها اميركا في شرق سورية.

هذا الأسبوع أدى بشار الأسد صلاة عيد الفطر في مدينة حماة. وهي أبعد مسافة يقطعها داخل سورية منذ أربع سنوات، في إشارة الى ثقته في استرجاع المدينة، التي دمرها والده، الى حضن الدولة. علماً أن ريف حماة كان خاضعاً طوال هذه المدة لسلطة المعارضة. وهذه إشارة ثانية مفادها أن النظام، الذي استرد عافيته بفضل روسيا وايران و «حزب الله»، لم يعد محاصراً في دمشق وإنما انطلق الى وسط البلاد.

المهم، ان واشنطن كانت تراقب تحركات قوات الأسد بكثير من العناية، خصوصاً بعدما بلغها أنه كاد يأمر باستخدام السلاح الكيماوي بعدما قتل «جيش محمد» أكثر من مئة عنصر من القوات السورية النظامية في معارك محافظة القنيطرة. لذلك حذره وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس من عواقب استخدام هذا السلاح المحرّم، وهدد بتسديد ضربة استباقية الى قواعده العسكرية.

وقد تدخلت موسكو هذه المرة في محاولة ردعه عن ارتكاب مثل هذا الاستفزاز الذي من شأنه أن يضيع عليه فرصة تجديد رئاسته، مثلما يضيع على موسكو وطهران فرصة إيجاد البديل!