IMLebanon

من له مصلحة بإجراء الانتخابات النيابية أو إرجائها؟

تبدو القوى المسيحية أكثر الأطراف السياسية رغبة في إجراء الانتخابات النيابية لتعزيز وضعها وتشكيل كتل وازنة. فهل للكتل الأخرى أسباب مبررة لإرجاء الانتخابات؟

يفترض، في المبدأ، أن ترغب جميع القوى السياسية في إجراء الانتخابات النيابية، وعدم إرجائها تطبيقاً للديموقراطية وعملاً بمبدأ تداول السلطات. لكن هذين العنوانين، على أهميتهما، ليسا هما اللذان يتحكمان بمسار الحياة السياسية في لبنان منذ أعوام طويلة، بعد التمديد في المراكز العسكرية والأمنية، وفي المجلس النيابي، وقبلهما تمديد ولاية رئيسين للجمهورية.

لذا، لا يمكن مقاربة الانتخابات النيابية وضرورة إجرائها أو إرجائها، من هذا الباب، بل من باب مصلحة كل فريق سياسي في اتخاذ مثل هذا القرار، بعيداً عن رغبات المجتمع الدولي، وفي تعزيز حصصه النيابية أو الحفاظ على ما يملكه حالياً، لأن من شأن نتائج انتخابات 2017 أن ترسم مسار الحكم في لبنان وهويته ونظامه السياسي وإطاره العام في السنوات المقبلة.

وإذا كان من المبكر الكلام عن قرار نهائي في شأن إجراء الانتخابات، قبل عشرة أشهر من موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي، فإن البحث عن قانون الانتخاب لم يعد معياراً أساسياً في تصويب مسار إجراء الانتخابات أو إرجائها، لأن ثمة متطلبات أخرى بدأت القوى السياسية التعاطي معها بجدية، قبل اتخاذ قرار حاسم في شأن ولاية المجلس.

تنقسم القوى السياسية إلى فريقين، واحد يصر على إجراء الانتخابات النيابية لدواعٍ سياسية وموضوعية تتعلق بتحسين ظروفه وموقعه داخل التركيبة الحالية، وآخر يدعم كلامياً ضرورة إجراء الانتخابات، ويفضل إرجاءها لألف سبب وسبب.

ليس سراً أن الأحزاب المسيحية الأساسية بمجملها أكثر القوى السياسية تمسكاً بإجراء الانتخابات. تتقاطع اهتمامات القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب على موقف واحد من ضرورة عدم تأجيل الاستحقاق النيابي، والهدف المشترك للقوى الثلاث استعادة كل طرف حقه في المقاعد النيابية، وتثبيت حصته الحقيقية في المجلس، وتبيان مدى التقدم الذي أحرزه كل منهم في تظهير شعبيته ودوره كاملاً في المجتمع الذي يمثله، ولا سيما أن الأطراف الثلاثة يتسابقون لتأكيد زعامتهم في الشارع المسيحي.

من بين الأطراف الثلاثة، يتقدم موقع التيار الوطني والقوات اللبنانية بعد إعلان النوايا بينهما وترشيح رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، نحو قيام تحالف انتخابي بينهما، يعزز ما باشرا به معاً في الانتخابات البلدية. بطبيعة الحال، يعزز الطرفان موقعهما داخل المجتمع الذي ينتميان إليه، ويسعيان إفرادياً أو ثنائياً الى تثبيت حالة التحالف بينهما في الدوائر التي يملكان فيها قواعد مشتركة. كما يسعى كل منهما الى تأطير حالته الشعبية تحسباً لأي تطورات تدخل على خط الانتخابات.

لكن بقدر ما يحاول الطرفان، تحت عنوان استعادة المقاعد المسيحية من الكتل السياسية الأخرى التي تسيطر على عدد كبير منها، فإنهما لا يزالان يتعثران في تقريب وجهات نظرهما حول قانون الانتخاب. أهمية القانون الانتخابي، والاتفاق العوني ــــ القواتي على تصور واحد مشترك، أنه يساهم في إزالة الحجج التي تضعها بعض القوى السياسية لتأجيل الانتخابات. لا مصلحة ولا ذريعة أمام الطرفين اللذين لم يتمكنا من إحراز تقدم في انتخابات رئاسة الجمهورية، في عدم التوصل الى قانون انتخابات، من شأنه أن يدفع حكماً الى إجراء الانتخابات لا إلى تأجيلها والتمديد مرة ثالثة للمجلس النيابي، وخصوصاً أن القوات والتيار باتا يمتلكان دراسات وإحصاءات عن مكامن قوتهما والدوائر التي قد يحققان فيها تقدماً عن عام 2009 وتعزيز حصتهما في المجلس النيابي، وخصوصاً إذا تحالفا ووزعا المقاعد بينهما في بعض الدوائر الحساسة. وفي تركيز جهدهما على هذا التصور والتوصل الى إقرار قانون الانتخابات في المجلس النيابي، فإن القوتين تجعلان من المستحيل على أي طرف سياسي تخطيهما، والذهاب الى وسائل جديدة لتطيير الانتخابات المقبلة.

الاشتراكي يريد إجراء الانتخابات وفق «الستين»، وحزب الله وأمل لا يباليان

وإذا كان من مصلحة القوى المسيحية الدفع في اتجاه الاستحقاق النيابي، لاستعادة ما تعتبره حقوقها في المقاعد النيابية المسيحية، فان للقوى السياسية الأخرى مصالح مغايرة، سواء لجهة إرجاء الانتخابات أو لعدم التفريط بحصصها الحالية.

لا يصحّ إلقاء الضوء على المستقبل من هذه الزاوية من باب ضيق، فالواقع أن كلا القوتين المسيحتيين إنما تريدان انتزاع المقاعد النيابية من كتلة المستقبل بالدرجة الأولى، ومن ثم من الكتل الأخرى. لكن للمستقبل اليوم أسبابه المنطقية والعملية في عدم إجراء انتخابات نيابية. إذ إنه يمتلك كتلة نيابية وازنة ومؤثرة بفعل انتخابات 2009، وهو وإن كان قد فقد موقعه في تركيبة السلطة الحالية، وتحديداً في موقع رئاسة الحكومة، إلا أنه بفضل تمدده داخل الإدارة بكل أجهزتها ودوائرها الكبيرة والصغيرة لا يزال يتحكم بمفاصل الدولة. وبسيطرته على مقاعد نيابية من أقصى الشمال الى بيروت والبقاع، فإنه يمسك أيضاً بقرار كتلة كبيرة مؤثرة في العمل البرلماني، ويحرم القوى المسيحية من حقها في التحول الى كتل كبيرة ومؤثرة أيضاً.

وبفعل تقهقر وضع تيار المستقبل في المناطق التي ينتمي إليها شعبياً وبروز حالات مؤثرة مناهضة له، وفي مقدمها حالة الوزير أشرف ريفي في الشمال وليس طرابلس وحدها، فإن تيار المستقبل، في ظل ضائقته المالية التي لا يبدو أنه سيخرج منها قريباً، لا يجد مصلحة حالياً بإجراء انتخابات نيابية تضاعف من همومه الداخلية وتزيد من أزماته الواقع فيها منذ سنوات.

ليس هذا التوصيف تبسيطاً في التعامل مع حالة المستقبل، الذي يضع أمام عينيه ما جرى في الانتخابات البلدية (وقبلها تحالف القوات والتيار) وردة الفعل التي قامت بها القوات مثلاً في التعامل مع مسيحيي المستقبل أو المستقلين، الأمر الذي يضعه حكماً في خانة المتسائل عن الاستفادة التي سيحققها إذا جرت الانتخابات النيابية، ومع من سيعقد تحالفاته (وهي لا تزال مدار بحث مع القوات تحديداً)، علماً بأن وضعه مع الشخصيات السنية المعارضة ليس أفضل حالاً.

قد يكون المستقبل الأكثر بروزاً في انعدام رغبته بإجراء الانتخابات. لكن هذا لا يعني أن القوى الأخرى أفضل حالاً. فالحزب التقدمي الاشتراكي، الذي يريد إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين دون غيره وإبقاء دوائر الجبل على ما هي عليه، لديه أكثر من حمل على الكتف: التحالف المسيحي ورغبته في حصص في دوائر بعبدا، عاليه والشوف، علماً بأن النائب وليد جنبلاط في مرحلة مهادنة ملحوظة مع مختلف القوى المسيحية، ناهيك عن الضغط السني في إقليم الخروب، الأمر الذي يجعله ميالاً الى إرجاء الانتخابات.

أما حال حزب الله والرئيس نبيه بري، فتختصر بعبارة واحدة. إذ لا شكوك لدى أحد أن الانتخابات لن تقدم أو تؤخر في نتائج وضعهما وكتلة كل منهما النيابية. ما خلا أن بري ينحاز دوماً الى مسايرة تيار المستقبل أكثر مما هي عليه حالة حزب الله. لكن إرجاء الانتخابات قد يكون مطلوباً في لحظة حرجة. فأسباب التمديد الأول الذي كان وراءه حزب الله، قد يكون اليوم لدواع أخرى تتعلق بالترتيب العام الذي يكتب لسوريا ولبنان ونظامه، فتكون سلة الحل اللبناني سلة متكاملة، لا بالتقسيط.