إن انطباعاتي بعد أكثر من 38 عاماً على غياب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين هي الآتية:
أولاً: كان الهدف من تغييب الإمام مشروع إلغاء واقع العيش الإسلامي ـ المسيحي المشترك، وحالة الوحدة الإسلامية، ونحمد الله أن لبنان نجا حتى الآن، من هذين الفخين، فالعيش المشترك ما زال قائماً والوحدة الإسلامية حية في النفوس وإن شابها بعض التوتير بسبب ما جرى بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. وفي اعتقادي، أن المشروع لم يغب وأن العمل عليه ما زال قائماً.
ثانياً: إن جريمة تغييب الإمام الصدر ورفيقيه بالطريقة التي تمت فيها، سواء لجهة المغادرة إلى روما وعدم الوصول إليها، وحجز الغرف في الفندق وعدم الإقامة فيها بل وصول الحقائب إليها، وظهور أشخاص يدعون أنهم الإمام ورفيقاه دون أن يحملوا صفاتهم الجسدية. وما صدر من بيانات حول الموضوع سواء من المعارضة الليبية والمنظمات الوهمية، كلها تشير إلى أن العملية كانت مخابراتية ومدبرةً بامتياز وعلى مستوى دولي، وأنه من المستحيل ألا تكون هناك معلومات مغيبة حول الموضوع لدى احدى الجهات الدولية المخابراتية.
ثالثاً: إن «السافاك» الإيراني و «الموساد» الإسرائيلي، من مصلحتهما القيام بتلك العملية سواء متعاونين أو منفردين، كما أن المخابرات الليبية يمكن أن تكون مخترقة لأنها في تلك الآونة كانت محوراً من المحاور التي حاولت السيطرة على لبنان من خلال دعم التناقضات فيه، وبالتالي فالكل متهم حتى تثبت براءته وحتى اليوم لم تثبت براءة ليبيا ولا إيران الشاه كما أن «الموساد» الإسرائيلي لم يكشف بعد عن مثل هذه العملية كما لم يتهمه أحد، وهذا يدعو للعجب!
رابعاً: كان للإمام الصدر دور نضالي في لبنان تجسد في إطلاق «أفواج المقاومة اللبنانية» ـ «أمل» التي أشرفت على تدريبها ودعمها المقاومة الفلسطينية، ودور تغييري انقلابي في إيران على نظام الشاه، وبالتالي، فإنه لا يمكن النظر إلى تغييبه من وجهة نظر لبنانية فقط، أو من جهة دوره في لبنان، بل لا بد من متابعة موضوع علاقته بالثورة الإسلامية في إيران وانعكاس ذلك على موقف الشاه ومخابراته منه، كما أن أي شك بليبيا يفترض دراسة العلاقات بينها وبين إيران الشاه في تلك المرحلة.
خامساً: إن الوفاء للإمام القائد المغيب السيد موسى الصدر يتطلب الوفاء لما نادى به وعمل عليه وهو العيش الإسلامي ـ المسيحي والوحدة الإسلامية بين السنّة والشيعة، واستقلالية المواقع المذهبية تحت سقف الوحدة الإسلامية ورفض كل مشروع يؤدي إلى فتنة مذهبية، لأن العاملين على هذه الفتنة لم يكونوا أقل مسؤولية اليوم من مسؤولية الذين قاموا بتغييب الإمام الصدر، فالنتيجة الواحدة تتأتى من منطلقات واحدة.
(]) نائب سابق وأمين عام مجلس الوزراء سابقا