IMLebanon

مَن يُعرقل حصول البلديات على أموالها؟

لا أحد يقول ما هي القطبة المخفية. أموال مستحقة للبلديات لم تحصل عليها منذ العام 1994. لماذا؟ لا أحد يعترف. عندما حرك الموضوع منذ 4 سنوات قيل إن لا آلية لتوزيع هذه الأموال، لكن كل الجهود التي بُذلت لإقرار مرسوم يحدد هذه الآلية أجهضت، بما أوحى أن الحديث عن هذه الآلية ليس سوى الشماعة التي يتهرب بها المعنيون من تنفيذ القانون. الأغرب أنه قبل العام 2010 لم يكن أحد يتحدث عن هذه الحقوق، حيث كانت عائدات البلديات من الهاتف الخلوي تحول إلى الخزينة من ضمن تحويلات وزارة الاتصالات إلى وزارة المالية، ودون تحديد ما يعود منها إلى البلديات.

في العام 2010، اتفق الوزير شربل نحاس مع وزيرة المال ريا الحسن على إيجاد حل لهذا الموضوع، والسعي لاستدراك الخطأ الذي بدأ منذ العام 1994. في إحدى جلسات مجلس الوزراء العاصفة، تراجعت الحسن عن التزامها معالجة مسألة أموال البلديات، فما كان من نحاس حينها إلا أن أعلن الاحتفاظ بأموال البلديات في حساب الوزارة المفتوح لدى مصرف لبنان، بالإضافة إلى إعادة تكوين العائدات المحولة سابقاً إلى الخزينة. فوزارة الاتصالات، هي بحسب القانون، تتولى «فرض الضريبة على المشتركين وتستوفيها منهم على أن تؤدي حاصلها بعد حسم الضريبة المدفوعة على مشترياتها مرة كل ثلاثة أشهر إلى كل بلدية معنية، بنسبة حصتها من الاشتراكات، أو إلى الصندوق البلدي المستقل في ما يعود للاشتراكات الواقعة خارج النطاق البلدي».

اعتبر نحاس حينها أنه إذا كانت وزارة الاتصالات تعطي أموال البلديات لوزارة المالية خلافاً للقانون ووزارة المال تأخذ المال خلافاً للقانون، ثم ترفض إعادة هذه الأموال إلى أصحابها، فلم يعد من خيار، لتصحيح الخطأ، سوى سعي «الاتصالات» إلى تحمّل المسؤولية. القانون واضح في إشارته، قبل تحويل الأموال إلى وزارة المال، إلى اقتطاع حاجة «الاتصالات» وديونها منها. وفي حالة أموال البلديات، فقد اعتبرت الاتصالات أن هذه الأموال دين لها ويحق لها بالتالي السعي إلى تسديدها، من موازنتها الملحقة.

بحسبة لم تحتج إلى كثير عناء حينها، تبين أن الأموال المستحقة للبلديات حتى العام 2010 تقدر بألف و400 مليار ليرة، فلم يتأخر الوقت حتى كانت الوزارة قد جمعت هذا المبلغ، وأضافت إليه مستحقات جديدة، رافضة تسليم المبلغ لوزارة المالية حتى لا يضيع مجدداً ويستعمل في غير موضعه، بانتظار إقرار آلية توزيع هذه العائدات على مستحقيها.

قامت القيامة ولم تقعد ضد نحاس ومن بعده الوزير نقولا صحناوي، لكن أحداً لم يهتم بأصل المشكلة. ومع الوقت، تراكمت المخالفات، وتبخرت أموال طائلة من أمام البلديات، من دون أن يتمكن أحد حتى الآن من الإجابة عن سؤال: كيف صرفت هذه الأموال؟ أما الحجة فغياب الموازنات وقطوع الحسابات.

المشكلة لا تقتصر على كيفية الصرف. كل هذه السنين، لم تقنع بعض الكتل بأن ثمة مستحقات سابقة للبلديات، وان اقتنع أنكر معرفته بقيمتها. رئيس هيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف كان قد أعلن في اجتماع لجنة المال السابق أنه لا يمكن تحديد المستحقات المتعلقة بالسنوات من 1994 إلى 2001.

في اجتماع أمس الأول للجنة المال، لم يستطع أحد أن ينفي أن هذه الأرقام معروفة وبالمستندات. ذكّر نحاس بأن شركة التدقيق العالمية kpmg التي كانت قد تعاقدت الدولة معها، عند فسخ عقود الخلوي في العام 2003، قد قدرت الأموال المستحقة للبلديات بـ592 مليار ليرة.

وبذلك، يكون اجتماع اللجنة قد حسم أموراً ظلت لسنوات عالقة، أبرزها الإقرار بأن للبلديات 1920 مليار ليرة في ذمة الدولة (حتى العام 2013)، كما أعلن رئيس اللجنة ابراهيم كنعان.

عندها تغير النقاش، لم تعد حجة عدم وضوح الأرقام أو تضاربها قابلة للصرف. أقر وزير الاتصالات بالمبلغ، مكتفياً بطلب مهلة أقصاها 20 يوماً لتدقيقها وإرسالها إلى اللجنة بتقرير رسمي. صار الجميع في محور «من أين سنأتي بالاموال وكيف ندفعها؟».

في سياق هذا الاعتراف، بدت خطوة وزيري الاتصالات السابقين في محلها، حيث سعيا إلى المحافظة على حقوق البلديات. أما ما فعله وزير الاتصالات الحالي، والذي سلّم الأموال التي كانت مجمعة في الحساب الخاص إلى وزارة المالية، فهي بمثابة الخطوة غير المحسوبة، لأنها أضاعت على البلديات فرصة الحصول على أموالها مجدداً. فقد حوّل الوزير بطرس حرب إلى «المالية» ألفاً و673 ملياراً، مكتفياً بالإشارة إلى أن 673 ملياراً منها تشكل حصة البلديات من ورادات الخلوي للفترة الممتدة بين 1/1/2010 و31/5/2014، على أن يذهب الباقي إلى الخزينة. وهو تكرار ملطف للمخالفات السابقة، إذ إن الاتصالات لا يحق لها أن تحول الأموال للخزينة قبل أن تسدد ديونها إلى البلديات ولا يحق لها أن تحول مستحقات البلديات إلى «المالية» لأنها المعنية بتوزيعها. وفي المقابل، لا يحق لـ«المالية» أن تستلم أموال البلديات، علماً أن الأخيرة لا تزال تحتفظ بها لأن لا آلية لتوزيعها. وهذا يعني أن حرب كان بإمكانه الانتظار قليلاً ريثما تقر هذه الآلية، بحيث يتمكن من توزيع الأموال مباشرة وبدون المرور بـ«المالية».. لكنه لم يفعل، مسقطاً ورقة مهمة من يده.

بعد سقوط محاولات من نواب في «14 آذار» و«8 آذار» للقول «عفا الله عما مضى»، داعين إلى الاكتفاء بالسعي إلى حسم طريقة توزيع الأموال من الآن فصاعداً، لوحظ تبني البعض اقتراحاً يقضي بتحويل الأموال إلى الصندوق البلدي المستقل. وهي خطوة، إضافة إلى كونها مخالفة للقانون، تنذر بتطيير أموال البلديات نهائياً وتحويلها إلى «سوكلين» وأخواتها، بحجة أن لهذه الشركات ديوناً على البلديات.

لم يصل الأمر إلى هذا الحد بعد وإن يخشى من تمريره في ليل، فوزير الاتصالات وعد بحث الحكومة على إنجاز مرسوم آلية التوزيع خلال 20 يوماً. علماً أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت قد أصدرت قراراً طلبت بموجبه من وزراء الداخلية والمالية والاتصالات آنذاك إعداد مرسوم يحدد آلية توزيع أموال الخلوي على قاعدة احتساب ما نسبته 80 بالمئة من عدد السكان المسجلين في كل بلدية و20 بالمئة من عدد سكان البلدية. أي أن الآلية أقرت ولا تحتاج إلا إلى مرسوم. وبالرغم من أن تحضير مسودتي مرسوم لهذه الغاية إلا أن أحداً لا يعرف لماذا جمد الموضوع. وبالرغم من المسار التنفيذي الذي نجحت لجنة المال في فرضه، إلا أن السؤال الأساسي يبقى: ألا تكفي عشرون سنة من الاستهتار بحقوق البلديات؟ رئيس اللجنة ابراهيم كنعان يقول «أخشى ما أخشاه أن نستفيق يوماً على عدم بقاء أيّ مبلغ يوزّع على البلديّات، وأن تصبح التنمية المحليّة واللامركزيّة الإداريّة مجرّد شعارات نتغنّى بها في الصالونات ونحاضر عنها في مراكز البحث والتنظير».