Site icon IMLebanon

مَن حرّض ترامب على دمشق ومهاجمة «حزب الله»؟

 

وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الأسبوع بأنه أكثر الأسابيع إثارة خلال فترة وجوده في البيت الأبيض. والسبب، كما قدمه أمام جمهور المصفقين، يعود إلى الانتصار الذي حققه في معركة تثبيت بريت كافانا مرشحه المفضَّل لرئاسة المحكمة العليا. وكان من الطبيعي أن يُقابل هذا الاختيار بتظاهرات الاحتجاج أمام مبنى مجلس الشيوخ، بعدما أعلنت الدكتورة كريستين فورد أنه حاول اغتصابها. وقد دعمت شكواها ثلاث نساء ممن جرب كافانا التحرش بهن واغتصابهن.

 

 

ولما أعلِنَت نتيجة التصويت في الكونغرس مع فارق صوت واحد لمصلحة مرشح الرئيس، وصف ترامب الذي قام به شيوخ الحزب الجمهوري بأنه صفقة تاريخية للحزب الديموقراطي. علماً أن رئيس المحكمة يتم اختياره عادة من الشخصيات النزيهة المحايدة التي تستحق احترام كل الفئات. ويفسر المراقبون حماسة ترامب واندفاعه لمصلحة كافانا، بأنهما أمران خاصان مرتبطان بتاريخ الانتخابات النصفية يوم السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ولم ينكر الرئيس اعتماده الكبير على نتائج تلك الانتخابات، كونها تحدد قوته السياسية خلال المرحلة الثانية من ولايته.

 

السبب الخفي الآخر يتعلق بسمعة الرئيس، وحكاية علاقاته السابقة بممثلات إباحيات بينهن ستورمي دانيالز التي روت في مذكراتها الشخصية أدق التفاصيل برفقة ترامب قبل أن يترشح للانتخابات الرئاسية عام 2016. علماً أنها تعهدت للوسيط المحامي مايكل كوهين إخفاء سر تلك العلاقة في مقابل صمتها الذي قبضت ثمنه 120 ألف دولار.

 

ومع أن فضيحة ترامب الجنسية تختلف عن فضائح الاغتصاب التي اتُّهِم بها رئيس المحكمة العليا، إلا أن كره الرئيس الأميركي للإشاعات التي تلاحقه في الصحف جعلته أكثر اهتماماً وتعاطفاً مع قاضٍ يعتبره مظلوماً يجب الدفاع عن سلوكه المشين!

 

على هامش معركة المحكمة العليا، كان الحزب الديموقراطي يسعى إلى تقييد الرئيس داخل الكونغرس، بحيث يمنعه من احتكار السلطتين التنفيذية والاشتراعية. ولم يكن مشروع القرار الذي قدمه حزب الأقليات والسود أكثر من محاولة للإمساك بمقاليد الأمن القومي وإعادتها إلى الكونغرس بعد مصادرة الرئيس لها. وحدث عقب حرب 1973 أن انتزع الكونغرس منه سلطات «قانون قرار الحرب»، بغرض تقييد سلطته التنفيذية ومنعها من إدخال البلاد في نزاعات مسلحة من دون الرجوع إلى السلطة الاشتراعية.

 

عقب الاعتداء الثلاثي على السويس، أجريت أول محاولة فصل بين الرئيس الأميركي والكونغرس عام 1957. وقد باشر إعدادها «اللوبي اليهودي» في الولايات المتحدة، تجاوباً مع رغبة ديفيد بن غوريون. وقد نقل هذه الرغبة إلى آيزنهاور وزير الخارجية أبا إيبان الذي أبدى استعداداً للانسحاب الكامل غير المشروط. ولكنه قبل الموافقة النهائية وتحديد موعد الانسحاب، مرَّر إيبان شرطاً واحداً يتعلق بضرورة نشر قوات تابعة للأمم المتحدة في سيناء. وفي الكتب التي نُشِرت عن ذلك الانسحاب، فصل كامل يتحدث عن العقاب الاقتصادي والعسكري الذي أعدته الإدارة الأميركية بهدف إرغام إسرائيل على الانسحاب تحت الضغط المتواصل. وجاء في المذكرة الأميركية أن المعونات الاقتصادية للدولة العبرية ستتوقف، كما يتوقف إرسال المعدات الحربية.

 

ومن أخطر ما جاء في تلك المذكرة إعلان واشنطن أنها قد تنضم إلى دعم الاتحاد السوفياتي في طلب طرد إسرائيل من عضوية الأمم المتحدة، لأنها خالفت قوانين المنظمة الدولية.

 

في مقابل موجة الفرح التي انتابت الرئيس ترامب عقب فوز كافانا بمنصب رئاسة المحكمة العليا… اجتاحته موجة من الغضب والكآبة بسبب مضمون الكتاب الثالث الذي صدر عن أسلوب حكمه في البيت الأبيض. وهو كتاب موثق أعده بوب وودورد، أحد أشهر الصحافيين الأميركيين من الرعيل المخضرم الذي كسب شهرة عالمية بسبب فضيحة التنصت في «ووترغيت.» أي الفضيحة السياسية التي أسقطت الرئيس ريتشارد نيكسون.

 

ويركز المؤلف، الذي سبق أن أصدر ثمانية كتب، على إظهار ترامب بمظهر الرئيس الساذج والانفعالي الذي يجهل التاريخ السياسي للدولة التي يحكمها. ويقدم سلسلة قرائن تؤكد هذا الوصف، بينها تهديده بإلغاء اتفاق التجارة الحرة مع حليفة بلاده كوريا الجنوبية!

 

ومن الوقائع التي يذكرها المؤلف عن ترامب، واحدة تتعلق بتهديد بشار الأسد إثر اطلاعه على صور أطفال ونساء استخدم النظام السوري ضدهم غاز السارين. وفي لحظة استياء وغضب، قال ترامب «تعالوا نقتله.» أي تعالوا نقتل بشار الأسد. لكنه سرعان ما تراجع عن تكرار هذه العبارة بفضل مستشارين عاقلين مثل الضابط السابق ديرك هارفي.

 

وقد ساهم هارفي خلال المرحلة ذاتها في منع حدوث اشتباك كاد ينفجر بين «حزب الله» من جهة… وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. والسبب أن صهر الرئيس جاريد كوشنر كان أطلع الرئيس على تقرير أعدته أجهزة «الموساد» يدّعي أن الحزب يملك ترسانة من الصواريخ يمكنها إنزال أسوأ الهزائم بإسرائيل.

 

وبعد أن تحمس ترامب لتوجيه ضربة استباقية وقائية لـ «حزب الله»، نصحه المساعدون بأن هذه العملية قد تفتح الباب أمام حرب واسعة في الشرق الأوسط تدخل فيها إيران وسورية والعراق وتركيا وروسيا.

 

كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالة شرحت فيها طبيعة المصادر التي يستقي منها الرئيس الأميركي مواقفه السياسية والاقتصادية. وذكرت أن أفضل عامل لقياس مزاجه يكمن في المال، أي في الربح والخسارة، وليس أكثر من ذلك. وقدمت الصحيفة سلسلة شخصيات مؤثرة في ترامب، لكنها استثنت من بينهم شيلدون إديلسون، أكبر المتبرعين للحزب الجمهوري.

 

في مقابل هذا السخاء المنقطع النظير، حقق الرئيس لصديقه الملياردير أمنيتين أثارتا ضده موجة من الاستياء، الأولى، نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وثانيتهما، قطع الدعم عن الفلسطينيين، وعن المؤسسات التي تغذي طموحاتهم، مع العمل على إلغاء كل علاقة بين واشنطن والسلطة الفلسطينية.

 

ويعتبر بنيامين نتانياهو، صديق اليهودي إديلسون، أن دخوله في عضوية «ائتلاف الجمهوريين اليهود» كان من أفضل الإنجازات التي حققها. وحدث في يوم تنصيب ترامب أن ناقش مساعدوه فكرة وقت غروب الشمس، بداية السبت اليهودي، ليستطيع إديلسون والعشرات مثله حضور حفلة التنصيب. لكن المسؤولين في الخارجية الأميركية حذروا الرئيس من أن القيام بهذه الخطوة قد يؤدي إلى انفجار التظاهرات في العالم العربي.

 

الكتاب السابق الذي نشره مايكل وولف تحت عنوان «نار وغضب»، ركّز مؤلفه على وصف الحال المزاجية التي كانت تسيطر على أعصاب ترامب وتدفعه إلى طرد 42 موظفاً من حوله خلال السنة الأولى من ولايته. الموظفة الوحيدة التي شذت عن هذه القاعدة كانت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي. ذلك أنها فاجأت الرئيس هذا الأسبوع بقبول استقالتها في آخر العام. ومع أنه رفض في بادئ الأمر قبول الاستقالة لأنها في نظره من أهم عناصر إدارته، إلا أنه أذعن لإلحاحها بحجّة أنها قد تتراجع عن موقفها.

 

الصحف الأميركية ما زالت تبحث عن السبب الحقيقي الذي أجبر هيلي على التخلي عن منصبها. ومع أن سوق التكهنات امتدت إلى أكثر من الحدود الأميركية، إلا أن «أسرار الآلهة» تشير إلى خلاف عميق بينها وبين جون بولتون، مستشار الأمن القومي. صحيح أنها مضطرة للتعامل والتنسيق مع وزير الخارجية، وأن مهمة بولتون لا تشملها… لكن الصحيح أيضاً أن حنين المندوب السابق بولتون إلى أروقة الأمم المتحدة اضطره مراراً إلى انتقاد أدائها.

 

ويعلق ستيف بانون، مستشار الرئيس سابقاً، أنه اعترض على تعيين بولتون بسبب كثافة شاربيه، وظهوره بمظهر غير لائق أمام الرئيس. لذلك، اقترح بانون على ترامب زج شاربيه بحيث يظهر كشعراء هذا العصر.

 

والملاحظ أن بولتون – الذي يُطلع الرئيس على آخر المعلومات – يركنه ترامب في آخر صفوف المؤتمرات لأنه لم يتخلَّ عن شاربيه كما أوصاه. وربما كان تهديد هايلي بالاستقالة سبباً لطرد صاحب الشاربين الكثَّيْن!

 

* كاتب وصحافي لبناني